كتاب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة

لا يحكم لأحد -حتى عثمان- بالجنة - ج: 3 - ص: 139

فلم يستطع حمله، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه (١)، كأني أنس إلى بياض ذراعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنها، تم حملها، فوضعها عند رأسه وقال:

أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) (٢).

كل هذا الحب لعثمان بن مظعون .. كل ذلك البكاء وتلك الدموع .. ومع ذلك فلم يزد - صلى الله عليه وسلم - على وضع حجر كبير ليعرف به قبر أخيه عثمان عندما يزور مقبرة البقيع .. أما من تسوّل له نفسه أن يزين قبر حبيبه أو حبيبته بالرخام أو الجص أو البناء أو القباب .. فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تدع تمثالًا إلَّا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلَّا سويته" (٣).

ولأن (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بتسويتها) (٤) فقد (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) (٥) لأن فتح باب البدعة لا يعني أبدًا مرونة في العقيدة .. هو تمييع للعقيدة .. تمزيق لها .. يعني التواءً نحو الشرك .. والإِسلام هروب .. كله هروب من الشرك وانحرافاته .. لقد شدّد - صلى الله عليه وسلم - في قضية القبور حتى لقد (نهى أن يكتب على القبر شيء) (٦) إن

---

(١) في الحديث بعد هذه الكلمة (قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) سنده حسن رواه أبو داود من طريق: كثير بن زيد المدني، عن المطلب .. عن أحد الصحابة .. (٣٢٠٦) والمطلب صحابي انظر: التقريب - (٢/ ٢٥٤) وكثير بن زيد ثقة وجرحه لا ينهض أمام توثيقه- التهذيب (٨/ ٤١٤).
(٣) حديث صحيح رواه مسلم (الأمر بتسوية القبور).
(٤) حديث صحيح رواه مسلم (٩٦٨).
(٥) حديث صحيح رواه مسلم (٩٧٠).
(٦) حديث صحيح انظر أحكام الجنائز للإمام الألباني (٢٠٤).