للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت -هذه الكاهنة- بأشراف الشام. فركب عبد المطلب، ومعه نفر من بني أمية، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، فخرجوا والأرض إذ ذاك مفاوز (١)، حتى إذا كانوا ببعضها نفذ ماء عبد المطلب وأصحابه، فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم، فأبوا عليهم.

وقالوا: إنا بمفاوز .. وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم.

فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة، فكلما مات رجل، دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروه، حتى يكون آخرهم رجلًا واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه. فقالوا: نِعْمَ ما أمرت به.

فحفر كل رجل لنفسه حفرة، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا) (٢)

لقد كان ذلك الرأي سقيمًا، إنه انتحار بطىء سببه تلك الخصومة والضيق الذي لا مبرر له إلا حب الرياسة والشرف عند أولئك العرب، لقد أحس عبد المطلب بفساد ذلك الرأي فصاح في تلك الجثث الملقاة في اللُّحُود: (والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض، ولا نبتغى لأنفسنا؛ لَعَجْزٌ .. فعسى الله أن يرزقنا ماءً ببعض البلاد: ارْتَحِلُوا.

فارتحلوا، حتى إذا بعث (٣) عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب، فكبر عبد المطلب، وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب


(١) سميت بذلك لأنها مهلكة.
(٢) ما بين الأقواس خبر صحيح الإسناد، انظر ما بعده.
(٣) دفعها للنهوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>