فقاتلت حتى رئي مكاني .. وأبليت وعلي ثوب أحمر .. فما علمت أني ركبت في الإِسلام أعظم منه .. قال: للشهرة" (١) فمهما كانت إنجازات المسلم عظيمة .. ومشاريعه عملاقة في تكريس هذا الدين إلا أنها تتوقف على بوابة القبول حتى تحصل على بطاقة يقال لها .. النقاء والإخلاص .. كما أن هذا النقاء لا يكفي إلا إذا كان العمل المصاحب له سليمًا من التحريف - بدعة أو نقصًا .. يقول سبحانه:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وهذا الأخير هو ما جعل بريدة قلقًا على جهاده يوم خيبر .. لقد خشي أن يكون شيئًا من الرياء قد تسرب إلى صفاء نيته فأفسده .. وأحبط عمله .. رقابة وضعها الإِسلام داخل أعماق أتباعه المخلصين وداخل أعمالهم لتبقى نقية بالتوحيد .. وكما خشي بريدة من انهيار عمله بسبب شعوره بالتفوق على الآخرين فإن رجلًا آخر لم تسعفه نيته عندما لوثها بتصرف لا يليق بمسلم .. ذلك هو الجريح الذي يعاني آلامًا شديدة من جراحه في المعركة .. فعندما جن عليه الليل جن جنونه من جرحه وآلامه فأراد أن يطلق رصاصة العذاب على تلك الآلام .. أراد أن يضع حدًا لمعاناته .. لكنه أساء العمل فحطم في الليل ما أنجزه في النهار .. يقول أبو هريرة رضي الله عنه:
"شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر .. فقال -يعني لرجل يدعي الإِسلام-: هذا من أهل النار .. فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له: إنه من
(١) سنده قوي رواه الروياني ١ - ٧٩ وابن عدي في الكامل ٢ - ٣٤ من طريق محمد بن مزاحم حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال ومقاتل صدوق من رجال مسلم: التقريب ٢ - ٢٧٢ وتلميذه بكير صدوق وجرحه غير مفسر. انظر ترجمته في التهذيب .. وابن مزاحم أبو وهب صدوق من رجال التقريب ٢ - ٢٠٦.