الحبشة .. أما المشركون فيعانون من الإحباط الشديد فمحمد يستولي على خيبر ودولته تتعاظم كل ثانية وسمعته سحابة عطر تطوف الجزيرة .. وأبو جندل ومن معه يقضون مضاجع قريش وقوافلها .. وقوائم ضحايا أبي بصير وأبي جندل تصل إلى قريش محملة بالنواح والعويل والندم على ذلك الشرط المكتوب بالغطرسة الوثنية .. وتسير قافلة المؤمنين ملتزمة بشروط قريش التي تقول:
"لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها"(١)
تسير قافلة المؤمنين ملتزمة بالسكينة والهدوء حسب الشروط والاتفاقية الموقعة بين الطرفين .. وتقترب من مكة الحبيبة فتشرع نوافذ الأرواح وأبواب للذكريات وأيام الطفولة والمعاناة .. آه ما أجمل مكة وأطيب ريحها .. لكن أصدقاء الفشل وأعداء النجاح يمارسون دومًا السخرية من المتفوقين عليهم ردمًا لهوة الإحباط التي يعانون منها .. وهو ما تتلفظ به قريش الآن بعد رؤيتها لمحمد وأصحابه في طرقات مكة ودروبها .. لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجيد وأد السخرية في مهدها .. يحشو جوفها بجمر التفوق .. عبد الله بن عباس طفل يعيش في مكة مع والده العباس بن عبد المطلب كان هناك .. شاهد ما حدث وتحدث فقال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب قال المشركون إنه يقدم عليكم غدًا قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى