للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتعالى شجرته في السماء بعد أن تتمكن في الضمائر والعقول والوجدان .. أما تلك النباتات التي تظهر فجأة وبسرعة ودون رصيد جذري فما هي إلا ريح واحدة وتختفي .. لم يكن في رسائل النبي التهديد بقوة عسكرية أو زحف أحمر لا يرحم .. كانت الرسائل موجهة نحو الضمير والعقل .. كانت رسائل تهز من الداخل وتغزو من العمق فليس هناك من يستطيع اليوم تهديد هرقل أو كسرى .. لكنها رسالة الإسلام التي لا تعرف حدودًا.

وقد أدرك هرقل أنه إن لم يستقبل الحق اليوم فسوف يستقيل له غدًا .. وأدرك أبو سفيان من قول هرقل ما كان يرفض إدراكه منذ سنين .. والقريب دائمًا لا يقنع بإبداع القريب منه إلا بعد أن يرى اعترافات الأبعد والأقوى تنهال على قريبه المبدع .. والنبي-صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليضيع أوقاته في إقناع المعاند والحاسد فالإسلام والزمن كفيلان بهما .. وبعد أن وصلت إلى مسامع النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الردود قال لأصحابه وحيًا صادقًا وبشرى لن تتخلف .. قال "-صلى الله عليه وسلم-: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده .. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" (١).

أما النجاشي فلا أدري ما هو رده على الرسالة الموجهة له .. لكن يبدو أن الرسالة الموجهه إلى هرقل أحدثت تداعيات مزعجة ومقلقة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولدولته مما جعله يعد جيشًا لملاقاة طموحات الروم بإيقاف النبوة والإسلام وتداعيات الرسالة .. النبي -صلى الله عليه وسلم- يعد الآن جيشًا للتوجه للشام .. لكنه قبل ذلك يقوم بـ


(١) صحيح البخاري ٣ - ١١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>