الخلائق؛ لأنهم يبينون لهم الأحكام، ويميزون الحلال من الحرام، ويحذرون من الآثام ويدعون إلى دار السلام، لهم قصب السبق في العلماء، ومداد محابرهم أفضل من دماء الشهداء؛ لما لهم من أثر صالح، وطريق ناجح، وحاجة الناس إليهم كحاجتهم إلى الطعام والشراب بل أشد، وهدايتهم إلى الخير كهداية نجوم السماء بل أسد، فكم صنفوا من كتب الهداية، كالتحفة والنهاية، والروضة والغاية، كانت سبباً لبقاء الأحكام الشرعية، وهداية البرية، وحفظا للملة الحنيفية، فلا ترى مصلياً ولا مزكياً، ولا صائماً ولا حاجاً أو معتمراً ولا بائعاً أو مشترياً، ولا مزارعاً أو صانعاً، ولا ناكحاً أو قاضياً، ولا شاهدا أو مزكيا، ولا غير ذلك، إلا كانت هدايته من تلك الكتب النيرات، والمؤلفات الصالحات، التي تفرقت في الأمصار، ووصلت ما بلغ الليل والنهار، فكم من قارئ لها وحافظ، وكم من شارح لها وفائض، لاسيما منهاج الطالبين وعمدة المفتين للإمام الحافظ الحجة ولي الله تعالى وقطب الوجود: يحي بن شرف النووي، المتوفى سنة ٦٧٦ هـ، الذي هو متن المذهب وعمدته، والذي تبارى في خدمته أئمة الشافعية، فلا يحصى كم شارح له وناظم، ومختصِر له أو محش عليه أو على شروحه أو مدلل لأحكامه، كان من أجلها جلالة وأكثرها دلالة: تحفة المحتاج بشرح المنهاج للإمام أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصري الشافعي الصوفي الأشعري، المتوفى سنة ٩٧٤ هـ، الذي وُصف بأنه خاتمة أهل التصنيف، وخطيب ذوي التأليف، إمام العلماء المحققين، ولسان الفقهاء المدققين، الذي أتى فيها بما لذ وطاب، من الفقه المستطاب، فكانت عمدة المتأخرين، من الفقهاء والمحدثين؛ لما فيها من إحاطة نصوص الإمام الشافعي، إمام المذهب رحمه الله تعالى، مع مزيد تتبع لأقوال أئمة المذهب بتحقيقاته وترجيحاته وتخريجاته، فأصبحت عمدة العلماء ومرجع الفقهاء، حتى قال بعضهم:
فإننا عن قول غير ابن حجر … حذام هذا الفن قاطعوا النظر