ومع ذلك فإنها تحير النجباء، وتستوقف العلماء؛ لما فيها من كثرة التفريعات، وبعد الإشارات، فيكل الجهد عند قراءتها، وتمل النفس عند استصعاب مسائلها، فتقل الفائدة من فيض فوائدها، لاسيما مع فتور الهمم وكثرة الشغل، وكما قيل:
لكن من التطويل كلت الهمم … فصار فيه الاختصار ملتزم
نعم لقد صار الاختصار ملتزما خدمة للعلم وأهله، وللمذهب ورجاله، وللدين وفقهه، ولكن من الذي يتطاول على ذلك الجبل الشامخ، في عصر ظُن أن رجال العلم قد تقاصرت مداركهم عن فهم كتب المتقدمين، فكيف باختصارها أو شرحها أو التعليق عليها، فضلا عن مجاراتها؟! وما يُدرى أن لله رجالا أخفياء، بهم يحفظ دينه، وينصر شرعه، ويعلي كلمته، لا سيما من العترة الطاهرة التي حفظ الله بها الدين والمؤمنين، ولا تفترق عن القرآن المبين، كما شهد بذلك سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فخبأ الله تعالى هذه المهمة الجلّى، لذي همة مثلى، في آخر الأزمان الذي أصبحت المادة فيه طاغية، والحياة لاهية، فقل فيه العلم بل ضاع، واتسعت فيه الأطماع.
وقد كان ذلك الرجل الذي تصدر لهذه المهمة العظيمة، بالهمة العالية والحكمة البالغة؛ الحسيب النسيب العلامة النحرير والبحاثة القدير السيد مصطفى بن حامد بن حسن بن سميط، العلوي الحضرمي اليمني الذي جمع من الفضائل ما لم يدركه الأوائل، وخزائن أسرار الله في خلقه لا تنفد، وما دام الليل والنهار يتجدد، ولا ريب فكم ترك الأول للآخر! فقد غاص هذا الشاب الهمام، والماهر الإمام، في قاموس التحفة، فأخرج من لجُها درر الأبحاث العلمية، والنكات الفقهية، والمسائل الفرعية، وهذب أبحاثها، وحرر ألفاظها، ودقق في دلالتها، واقتصر من أبحاثها على ما لا بد للفقيه والقارئ منه، وترك ما في تركه غنية عنه، فجاء المختصر معتصرا، فيه لذيذ المسائل، وقريب الدلائل، فقرب منها ما بعد، ويسر ما عسر، فكانت خلاصته شرحا وافيا، ومتنا صافيا، ومعينا كافيا، فلله دره من همام وعلامة