للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: إِنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللهِ يُقَلِّبُهَا. (١)

قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَحَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسٍ أَصَحُّ.

قلت: وللحديث شاهد بالمعني أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ. (٢)

وعلي هذا فيرتقي الحديث بمتابعاته وشواهده من الحسن إلي الصحيح لغيره، والله أعلم.

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو الْوَاصِلِ.

قلت: والأمر في ذلك كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

خامساً: التعليق علي الحديث:

يبين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القلوبَ بمشيئة الله تعالى يقلبها كيف يشاء من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الطاعة إلى العصيان، ومن العصيان إلى الطاعة؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يَأمَنَ زوالَ نعمة الله التي أنعمها عليه، بل ينبغي أن يخافَ ويتضرَّعَ ويسألَ الله الثبات علي نعمة الإيمان والإسلام والطاعة حتي يلقي الله تبارك وتعالي. وأنه يجب علي العبد ألا يغتر بنفسه ولا بعمله وأن يعيش بين الخوف والرجاء فيخشي عقاب الله ويرجو رحمة الله وأن يظل يدعو الله تعالي أن يميته علي الإسلام ويختم له بخاتمة أهل الإيمان. قال البيضاوي: في دعائه -صلى الله عليه وسلم- يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء ورفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك وخص نفسه بالذكر إعلامًا بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه فافتقار غيرها ممن هو دونه أحق بذلك. (٣)


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢١/ ٢٥٩ رقم ١٣٦٩٦)، وابن ماجة في "سننه" ك/ الدعاء ب/ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (٥/ ٩ رقم ٣٨٣٤)، والترمذي في "سننه" ك/ القدر ب/ مَا جَاءَ أَنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّحْمَنِ (٤/ ٤٤٨ رقم ٢١٤٠).
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ القدر ب/ تَصْرِيفِ اللهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ (٤/ ٢٠٤٥ رقم ٢٦٥٤).
(٣) يُنظر "فتح الباري" لابن حجر ١٣/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>