يبين لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث حرمة الدماء، وأن الأصل فيها العصمة، وليس فقط دماء المسلمين، وإنما دماء المعاهدين وأهل الكتاب وغيرهم من الوثنين والمشركين الذين بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق، ما داموا يحافظون على هذا العهد ويعملون بمقتضى هذا الميثاق، فإن نقضوا العهد والميثاق صاروا محاربين، ووجب على إمام المسلمين أن يقاتلهم وأن يريق دماءهم. فقال عليه الصلاة والسلام مبيناً حرمة دم المعاهد: من قتل معاهداً - أي: في عهده، سواء من أهل الكتاب أو من غيرهم - لم يرح رائحة الجنة. والجنة لها رائحة طيبة كأطيب ما تكون الرائحة وقد اْختلفت الروايات في قوله -صلى الله عليه وسلم-، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ، بين أربعين عاماً، وسَبْعِينَ عاماً، ومِائَةِ عَامٍ، وخَمْسمِائَةِ عَامٍ، وأَلْفِ عَامٍ. والروايات كلها صحيحة، فكأن ريح الجنة يشمها من كان من أهلها كلٌ على حسب عمله، وعلى حسب درجته، فمنهم من يشم رائحة الجنة على مسيرة خمسمائة عام، ومنهم من يشم رائحتها على مسيرة مائة عام، وأربعين عاماً.