للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لكن تابع حُدَيْجٌ: أخوه زُهَيْرٌ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عن أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وزُهَيْرٌ هذا: "ثقة ثبت"

كما قال ابن حجر، (١) وأخرج هذه المتابعة: مسلم في "صحيحه" وغيره كما سبق بيان ذلك في التخريج.

العلة الثانية: أَبُو الزبير المكي: ثقة يدلس. فلا يقبل شئ من حديثه إلا إذا صرح فيه بالسماع.

قلت: وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد، فزال بذلك ماكنا نخشاه من تدليسه.

قلت: وللحديث شاهد عند البخاري من حديث حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. (٢)

وعلي هذا فيرتقي الحديث بمتابعاته وشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره، والله أعلم.

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حُدَيْجٍ إِلَّا جَعْفَر.

قلت: وليس الأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان، فلم يتفرد جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ براوية هذا الحديث عن حُدَيْجٍ، لكن تابعه: محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي المعروف بلُوَيْن. وهو "ثقة" كما قال ابن حجر. (٣)

خامساً: التعليق علي الحديث:

كان المجتمع الجاهلي قبل الإسلام يسود فيه مبدأ العصبية والقبلية فكانت العصبية للدم والجنس والعِرق فتري الرجل يقف مع أخيه أو قريبه أو صديقه حتي ولو كان ظالماً ويقويه علي ظلمه، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ: إِذَا أَنَا لَمْ أَنْصُرْ أَخِي وَهْوَ ظَالِمٌ عَلَى الْقَوْمِ لَمْ أَنْصُرْ أَخِي حِينَ يظلم. فلما جاء الإسلام أمر بنصرة الظالم والمظلوم لكنه عدل الميزان المقلوب وصحح الفهم المُعْوَجْ فكأن الصحابة رأوا وفهموا بالفطرة التي فطر الله الناس عليها أنَّ مبدأ النصرة هذا كان معوجاً في الجاهلية وفيه خلل فقالوا يا رسول الله ننصره إذا كان مظلوماً فكيف ننصره إذا كان ظالماً فقال -صلى الله عليه وسلم- تحجزه أو تكفه أو تمنعه عن هذا الظلم فذلك هو نصره. قال ابن بطال رحمه الله: النصرة عند العرب: الإعانة والتأييد، وقد فسره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن نصر الظالم منعه من الظلم؛ لأنه إذا تركته على ظلمه ولم تكفه عنه أداه ذلك إلى أن يُقتص منه؛ فمنعك له مما يوجب عليه القصاص نصره، وهذا يدل من باب الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه، وهو من عجيب الفصاحة، ووجيز البلاغة. (٤)


(١) ينظر "التقريب" صـ ١٥٨.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ المظالم ب/ أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (٣/ ١٢٨ رقم ٢٤٤٤).
(٣) يُنظر "التقريب" صـ ٤١٦.
(٤) يُنظر "شرح صحيح البخاري" لابن بطال ٦/ ٥٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>