للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وللحديث شاهد بالمعني أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ قال: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا … يَعْمَلُونَ (١٧)}. (١) (٢)

قلت: وعلي هذا فالحديث يرتقي بشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره، والله أعلم.

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ إِلَّا بَقِيَّةُ، تَفَرَّدَ بِهِ: هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قال العيني رحمه الله: وَهَذَا يدل على وجود الْجنَّة لِأَن الإعداد غَالِباً لَا يكون إِلَّا لشَيْء حَاصِل. قَوْله: مَا لَا عين رَأَتْ: مَا هُنَا إِمَّا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة وَعين وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي فَأفَاد الِاسْتِغْرَاق وَالْمعْنَى مَا رَأَتْ الْعُيُون كُلهنَّ وَلَا عين وَاحِدَة مِنْهُنَّ. فَيحمل على نفي الرُّؤْيَة وَالْعين مَعًا أَو نفي الرُّؤْيَة فَحسب أَي لَا رُؤْيَة وَلَا عين أَو لَا رُؤْيَة وعَلى الأول الْغَرَض مِنْهُ نفي الْعين وَإِنَّمَا ضمت إِلَيْهِ الرُّؤْيَة ليؤذن بِأَن انْتِفَاء الْمَوْصُوف أَمر مُحَقّق لَا نزاع فِيهِ وَبلغ فِي تحَققه إِلَى أَن صَار كالشاهد على نفي الصّفة وَعَكسه. قَوْله: وَلَا خطر على قلب بشر، أَي لَا قلب وَلَا خطر أَو لَا خطور فعلى الأول لَيْسَ لَهُم خطر فَجعل انْتِفَاء الصّفة دَلِيلاً على انْتِفَاء الذَّات أَي إِذا لم يحصل ثَمَرَة الْقلب وَهُوَ الاخطار فَلَا قلب. فَإِن قلت: لم خص الْبشر هُنَا دون القرينتين السابقتين قلت: لأَنهم هم الَّذين يَنْتَفِعُونَ بِمَا أعد لَهُم ويهتمون بِشَأْنِهِ ويخطرونه ببالهم بِخِلَاف الْمَلَائِكَة. (٣)


(١) سورة السجدة آية رقم ١٧، ١٦.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا (٢٨٢٥).
(٣) يُنظر "عمدة القارئ" للعيني ١٥/ ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>