للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: علي اليقين بلفظ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. ولم يروه عن حماد بهذا الوجه إلا يزيد بن هارون.

وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق أن الوجه الراجح هو الوجه الأول وذلك للقرائن الآتية:

١) رواية الأكثر عدداً: حيث رواه جماعة من الرواة؛ وهذا بخلاف الوجه الثاني فلم يروه إلا يزيد بن هارون.

٢) أن الوجه الأول له شواهد في الصحيحين من حديث علي -رضي الله عنه-.

فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا مَرْثَدٍ الغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ المُشْرِكِينَ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُشْرِكِينَ» فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْنَا: الكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الجِدَّ أَهْوَتِ الى حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ» قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا» فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟» فَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أَوْ: فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (١)

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول الراجح ــــ "إسناده حسن لذاته" وذلك لأجل عاصم بن بهدلة فهو: صدوق. لكن الحديث بجزئه الثاني "صحيح لغيره" وذلك بشواهده التي في الصحيحين كما سبق ذلك.

خامساً: التعليق علي الحديث:

يبين لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث فضيلة أهل بدر وفضيلة من شهد غزوة بدر وذلك لما تكلموا في حق رجل منهم فقال -صلى الله عليه وسلم- أليس قد شهد بدراً. ومن ذلك أيضاً لما أرسل سيدنا حاطب بن بلتعة -رضي الله عنه- إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأراد سيدنا عمر -رضي الله عنه- أن يضرب عنقه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم. وفي هذا الحديث إشكال وهو أن قوله اعملوا ما شئتم يدل علي أنه لو وقع منهم أشياء بعد ذلك تُوجب المؤاخذة


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ الجهاد، ب/ الجاسوس (٤/ ٥٩ رقم ٣٠٠٧)، وفي ك/ المغازي ب/ بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا (٥/ ٧٧ رقم ٣٩٨٣)، ومسلم في "صحيحه" ك/ فضائل الصحابة ب/ مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ -رضي الله عنهم- وَقِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ (٤/ ١٩٤١ رقم ٢٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>