للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعلي هذا فيرتقي الحديث بمتابعاته وشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره.

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَّا عَبْثَرٌ.

قلت: وليس الأمر كما قال عليه من الرحمة والرضوان فلم يتفرد عَبْثَر بْن الْقَاسِمِ، عَنِ الْأَعْمَش براوية هذا الحديث بل تابعه: عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن المسعودي، عَنِ الْأَعْمَش به بمثله وأخرجه الطبراني نفسه في "المعجم الكبير". ورواه غيرهما عَنِ الْأَعْمَش به لكن بألفاظ مختلفة كما سبق بيان ذلك في التخريج.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قال ابن حجر: التَرْوِيَة: بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ، وهو يَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَسُمِّيَ بالتَّرْوِيَةَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهَا إِبِلَهُمْ وَيَتَرَوُّونَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَثُرَتْ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ. وَقِيلَ فِي تَسْمِيَتِهِ التَّرْوِيَةَ أَقْوَالٌ أُخْرى شَاذَّةٌ مِنْهَا: أَنَّ آدَمَ رَأَى فِيهِ حَوَّاءَ وَاجْتَمَعَ بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى فِي لَيْلَتِهِ أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنَهُ فَأَصْبَحَ مُتَفَكِّرًا يَتَرَوَّى، وَمِنْهَا أَنَّ جِبْرِيلَ -عليه السلام- أَرَى فِيهِ إِبْرَاهِيمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ. وَوَجْهُ شُذُوذِهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ لَكَانَ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ، أَوِ الثَّانِي لَكَانَ يَوْمَ التَّرَوِّي بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، أَوْ مِنَ الثَّالِثِ لَكَانَ مِنَ الرُّؤْيَا، أَوْ مِنَ الرَّابِعِ لَكَانَ مِنَ الرِّوَايَةِ. (١)

وقال ابن قدامة: ويستحب أن يخرج الحاج محرمًا من مكة يوم التروية، فيصلي الظهر بمنى، ثم يقيم حتى يصلي بها الصلوات الخمس، ويبيت بها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك. كما جاء في حديث جابر، وهذا قول سفيان، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً. وليس ذلك واجباً في قولهم جميعاً.

قال ابن المنذر: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم. وتخلفت عائشة ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل، وصلى ابن الزبير بمكة. فإن صادف يوم التروية يوم جمعة، فمن أقام بمكة حتى تزول الشمس، ممن تجب عليه الجمعة، لم يخرج حتى يصليها؛ لأن الجمعة فرض، والخروج إلى منى في ذلك الوقت غير فرض. فأما قبل الزوال، فإن شاء خرج، وإن شاء أقام حتى يصلي، فقد روي أن ذلك وافق أيام عمر بن عبد العزيز، فخرج إلى منى. وقال عطاء: كل من أدركت يصنعونه، أدركتهم يجمع بمكة إمامهم ويخطب، ومرة لا يجمع ولا يخطب. فعلى هذا إذا خرج الإمام، أمر بعض من تخلف أن يصلي بالناس الجمعة. وقال أحمد: إذا كان والي مكة بمكة يوم الجمعة، يجمع بهم. قيل له: يركب من منى، فيجيء إلى مكة، فيجمع بهم؟ قال: لا، إذا كان هو بعد بمكة. (٢)


(١) يُنظر "فتح الباري" لابن حجر ٣/ ٥٠٧.
(٢) يُنظر "المغني" لابن قدامة ٥/ ٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>