للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَجْتَاحَ مَالِي؟ قَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئاً. (١)

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ إِلَّا الْمُنْذِرُ بْنُ زِيَادٍ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قال ابن قدامة: وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَيَتَمَلَّكَهُ، مَعَ حَاجَةِ الْأَبِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيراً كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا، بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُجْحِفَ بِالِابْنِ، وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَلَا يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَيُعْطِيَهُ الْآخَر. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ. وَلِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، كَاَلَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ أَطْيَبِ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ (٢). وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي. فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك.

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَلَدَ مَوْهُوبًا لِأَبِيهِ، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ، كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ، كَعَبْدِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} (٣) ثُمَّ ذَكَرَ بُيُوتَ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ إلَّا الْأَوْلَادَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ: بُيُوتِكُمْ. فَلَمَّا كَانَتْ بُيُوتُ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ، لَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ. وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَالِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ، فَأَحَادِيثُنَا تَخُصُّهَا وَتُفَسِّرُهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ مَالَ الِابْنِ مَالًا لِأَبِيهِ، بِقَوْلِهِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك. فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: أَحَقُّ بِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ حَقِّهِ عَلَى حَقِّهِ، لَا عَلَى نَفْيِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْوَلَدُ أَحَقُّ مِنْ الْوَالِدِ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. (٤)


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١١/ ٢٦١ رقم ٦٦٧٨)، (١١/ ٥٠٣ رقم ٦٩٠٢)، وابن ماجة في "سننه" (٣/ ٣٩٢ رقم ٢٢٩٢)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٥٨ رقم ٦١٥١)، والطبراني في "مسند الشاميين" (١/ ٢١٢ رقم ٣٧٩)، وابن المقرئ في "معجمه" (١/ ١٦٩ رقم ٥٢٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٧٨٩ رقم ١٥٧٤٩)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (١٣/ ٥٠٧).
(٢) أخرجه الترمذي في "سننه" ك/ الأحكام ب/ مَا جَاءَ أَنَّ الوَالِدَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ (٣/ ٦٣١ رقم ١٣٥٨).
(٣) سورة النور آية رقم: ٦١.
(٤) يُنظر "المغني" لابن قدامة ٨/ ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>