للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لكن ما أثبتناه من ترجيح الوجه الثاني هو ما ذهب إليه أبو حاتم، وابن حجر، وما اقتضاه أيضاً سير البحث، والعلم عند الله تعالي.

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده شاذ" وذلك لمخالفة الثقة لما رواه الأكثرية.

وأما الحديث بالوجه ــــ الثاني ــــ الراجح "إسناده صحيح " وأخرجه الحاكم في المستدرك من الوجه الراجح وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (١)

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ إِلَّا سَعِيدٌ.

قلت: والأمر في ذلك كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: شرح الغريب:

قال القاسم بن سلام: قَوْله: لَا يدارئ وَلَا يُمَارِي فَإِن المدارأة هَهُنَا مَهْمُوز من دارأت وَهِي المشاغبة والمخالفة على صَاحبك. وَمِنْهَا قَول اللَّه عز وَجل {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} (٢) يَعْنِي اخْتلَافهمْ فِي الْقَتِيل. (٣) وقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: تُدَارِي مَهْمُوزٌ مِنْ الْمُدَارَاةِ، وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ. وَتُمَارِي غَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ الْمُمَارَاةِ، وَهِيَ الْمُجَادَلَة. (٤) وقال الطبري: كُنْتَ لَا تُمَارِي وَلَا تُدَارِي. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَا تُدَارِي: لَا تُخَالِفُ رَفِيقَكَ وَشَرِيكَكَ وَلَا تُنَازِعُهُ وَلَا تُشَارِهِ. (٥) وقال ابن الملقن: يدارئ مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ: يشاغب وَيُخَالف صَاحبه، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه»: الرِّوَايَة يُدَارِي بِغَيْر همزَة ليزواج يُمَارِي. وَعبارَة ابْن الْأَثِير: المماراة المجادلة والملاحاة. قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة «كنت لَا تشاري». وَقَالَ: وَهِي الملاحاة. قَالَ: والمداراة المدافعة. (٦)

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال ابن مفلح رحمه الله: الْمِرَاءُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَالُ يُقَال: مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً، أَيْ: جَادَلَ. وَتَفْسِيرُ الْمِرَاءِ فِي اللُّغَةِ اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَرَيْتُ الشَّاةَ إذَا اسْتَخْرَجْتُ لَبَنَهَا. وَتُدَارِينِي مِنْ الْمُدَارَاةِ بِلَا هَمْزٍ وَرُوِيَ بِالْهَمْزِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ: لَا تُمَارِيَنَّ حَكِيمًا، وَلَا تُجَادِلَنَّ لَجُوجًا، وَلَا تُعَاشِرَنَّ ظَلُومًا، وَلَا تُصَاحِبَنَّ مُتَّهَمًا. وَقَالَ أَيْضًا: يَا بُنَيَّ مَنْ قَصَّرَ فِي الْخُصُومَةِ خَصِمَ، وَمَنْ بَالَغَ فِيهَا أَثِمَ، فَقُلْ الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ فَلَا تُبَالِ مَنْ غَضِبَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَفَى بِكَ ظَالِمًا


(١) يُنظر "المستدرك" ٢/ ٧٠.
(٢) يُنظر سورة البقرة آية رقم: ٧٢.
(٣) يُنظر "غريب الحديث" للقاسم بن سلام ١/ ٣٣٧.
(٤) يُنظر نصب الراية" للزيلعي ٣/ ٤٧٤.
(٥) يُنظر "تفسير الطبري" ٢/ ١١٨.
(٦) يُنظر "البدر المنير" لابن الملقن ٦/ ٧٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>