للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق أنَّ الوجه الثاني هو الوجه الراجح وذلك للقرائن الأتية:

١) رواية الأحفظ: فَرَاوِيَة الوجه الثاني ــــ ابْن عُيَيْنَة ــــ أحفظ وأوثق من رَاوِيَة الوجه الأول.

٢) ترجيح الأئمة: قال الدارقطني: وَقَوْل ابْن عُيَيْنَة هُوَ الصحيح. (١)

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده منكر" فيه: قَزْعَة بْن سُوَيْد وهو ضعيف الحديث. وذلك لتفرده ومخالفته لما رواه الثقة. وأما الحديث بالوجه ــــ الثاني الراجح ــــ فإسناده صحيح.

قلت: وللحديث شاهد في "صحيح مسلم" من حديث عُثْمَانَ بن عفان -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ. (٢)

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إِلَّا قَزْعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: الْقَوَارِيرِيُّ.

قلت: والأمر في ذلك كما قال عليه من الرحمة والرضوان. لكن ذلك من حيث الوجه الأول المرجوح. وأما من حيث الوجه الثاني ــــ الراجح ــــ فرواه عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار: سُفْيَان بْن عُيَيْنَة.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال النووي رحمه الله: قال القاضي عياض اختلف الناس فيمن عصى الله تعالى من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإيمان. وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها. وقالت المعتزلة: يخلد في النار إذا كانت معصيته كبيرة ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر ولكن يوصف بأنه فاسق. وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن وإن لم يغفر له وعذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة قال وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة وأما المرجئة فإن احتجت بظاهره قلنا محمله على أنه غفر له أو أخرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة فيكون معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- دخل الجنة أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة وفى قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو يعلم إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة إن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه وقد قيد ذلك في حديث آخر بقوله -صلى الله عليه وسلم- غير شاك فيهما وهذا يؤكد ما قلناه قال القاضي وقد يحتج به أيضًا من يرى أن مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية. (٣)


(١) يُنظر "العلل" ٦/ ٣٦، ١٣/ ٣٦٧.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الإيمان ب/ مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ (١/ ٥٥ رقم ٤٣).
(٣) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ١/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>