للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحَدِيث، تعيَّن الِاحْتِجَاج بالإِجماع، كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهمَا. قَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمع الْعلمَاء عَلَى أنَّ المَاء الْقَلِيل أَو الْكثير، إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة، فغيَّرت طعمًا أَو لونًا أَو ريحًا فَهُوَ نجس. وَنقل الإِجماع كَذَلِك جمع غَيره. (١)

قلت: وأما الحديث بالوجه الثاني ـــــ المرجوح ــــ إسناده منكر فيه: الأَحْوَص بْن حَكِيمٍ: ضعيف، وخالف الثقات.

خامساً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ إِلَّا رِشْدِينُ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ.

قلت: أما قوله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِحٍ إِلَّا رِشْدِين: فهو كما قال عليه -رضي الله عنه-.

وأما قوله: تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ. فليس الأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان فلم يتفرد مُحَمَّد بْن يُوسُف الْغَضِيضِيُّ برواية هذا الحديث عَنْ رِشْدِين بل تابعه: مَرْوَان بْن مُحَمَّد الطَّاطَرِي، ومُحَمَّد بْن يَزِيد الحزامي البزاز. كما سبق بيان ذلك في التخريج.

قال ابن الملقن: قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح إلاَّ رشدين، تَفرَّد بِهِ مُحَمَّد بن يُوسُف. قلت ــــ ابن الملقن ــــ: لَا، فقد تَابعه مَرْوَان بن مُحَمَّد، كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِي. (٢)

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال ابن قتيبة الدينوري رحمه الله: قَالُوا: حَدِيثَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِيمَا يَنْجُسُ مِنَ الْمَاءِ: قَالُوا: رُوِّيتُمْ عَنِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. ثُمَّ رُوِّيتُمْ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ حَمَلَ النَّجَسَ، وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْأَوَّلِ. وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى الْآبَارِ وَالْغُدْرَانِ أَنْ يَكْثُرَ مَاؤُهَا، فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْخُصُوصِ. وَهَذَا كَمَا يَقُولُ: السَّيْلُ لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ، وَمِنْهُ مَا يَرُدُّهُ الْجِدَارُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْكَثِيرَ مِنْهُ لَا الْقَلِيلَ. وَكَمَا يَقُولُ: النَّارُ لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ نَارَ الْمِصْبَاحِ الَّذِي يُطْفِئُهُ النَّفْخُ وَلَا الشَّرَارَةَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ نَارَ الْحَرِيقِ. ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا بَعْدَ هَذَا بِالْقُلَّتَيْنِ، مِقْدَارَ مَا تَقْوَى عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ مِنَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ، الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْء. (٣)

وقال ابن قدامة رحمه الله: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، وَهُوَ خَمْسُ قِرَبٍ، فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ. وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِصَرِيحِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِمَا وَقَعَ فِيهِ لَا يَنْجُسُ، وَبِمَفْهُومِهَا عَلَى أَنَّ مَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَإِنْ كَثُرَ، وَأَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ


(١) يُنظر "البدر المنير" لابن الملقن ١/ ٤٠١.
(٢) يُنظر "البدر المنير" لابن الملقن ١/ ٤٠٠، ٣٩٩.
(٣) يُنظر "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة ١/ ٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>