للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». (١)

وعلي هذا فالحديث يرتقي بمتابعاته وشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره، والله أعلم.

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال النووي رحمه الله: وهذه الأحاديث فيها التصريح بجواز الاقتصار على أحد الأمرين إن شاء اقتصر على الحلق وإن شاء على التقصير وتصريح بتفضيل الحلق، وقد أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير وعلى أن التقصير يجزي إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول يلزمه الحلق في أول حجة ولا يجزئه التقصير وهذا إن صح عنه مردود بالنصوص وإجماع من قبله ومذهبنا المشهور أن الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج والعمرة وركن من أركانهما لا يحصل واحد منهما إلا به وبهذا قال العلماء كافة وللشافعي قول شاذ ضعيف أنه استباحة محظور كالطيب واللباس وليس بنسك والصواب الأول. وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه أو تقصير جميعه ويستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر فإن قصر دونها جاز لحصول اسم التقصير والمشروع في حق النساء التقصير ويكره لهن الحلق فلو حلقن حصل النسك ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق والقص وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر. واتفق العلماء على أن الأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة وبعد ذبح الهدي إن كان معه وقبل طواف الإفاضة وسواء كان قارناً أو مفرداً. (٢)

وقال ابن حجر رحمه الله: اختلف المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك ـــــ أي هل قال ذلك في الحديبية، أم في حجة الوداع، ثم ذكر ابن حجر الخلاف في ذلك ـــــ ثم قال: قال عياض كان في الموضعين ولذا قال ابن دقيق أنه الأقرب قلت ــــ ابن حجر ــــ بل هو المتعين لتظاهر الروايات بذلك في الموضعين إلا أن السبب في الموضعين مختلف فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم -صلى الله عليه وسلم- النبي وصالح قريشاً على أن يرجع من العام المقبل فلما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل هو -صلى الله عليه وسلم- قبلهم ففعل فتبعوه فحلق بعضهم وقصر بعض وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس عند ابن ماجه وغيره ففي آخره أنهم قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة قال لأنهم لم يَشُكُوا. وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال الخطابي: إن عادة العرب أنها


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الحج ب/ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَجَوَازِ التَّقْصِيرِ (٢/ ٩٤٦ رقم ١٣٠٢).
(٢) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ٩/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>