للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسناد بين حُصَيْن بْن نُمَيْر، والشَّعْبِيِّ، فسقط منه: حُصين بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ويكون بذلك قد تفرد به كما قال الطبراني رحمه الله.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله: إذا علم الزوج أن امرأته زنت فإن رآها بعينه وهي تزني ولم يكن نسب يلحقه فله أن يقذفها وله أن يسكت لما روى علقمة عن عبد الله أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن رجل وجد مع امرأته رجلاً إن تكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم افتح". وجعل يدعوا فنزلت آية اللعان: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (١) فذكر أنه يتكلم أو يسكت ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- كلامه ولا سكوته. وإن أقرت عنده بالزنا فوقع في نفسه صدقها أو أخبره بذلك ثقة أو استفاض أن رجلاً يزني بها ثم رأى الرجل يخرج من عندها في أوقات الريب فله أن يقذفها وله أن يسكت لأن الظاهر أنها زنت فجاز له القذف والسكوت وأما إذا رأى رجلا يخرج من عندها ولم يستفض أنه يزني بها لم يجز أن يقذفها لأنه يجوز أن يكون قد دخل إليها هارباً أو سارقاً أو دخل ليراودها عن نفسها ولم تمكنه فلا يجوز قذفها بالشك وإن استفاض أن رجلا يزني بها ولم يجده عندها ففيه وجهان: أحدهما: لا يجوز قذفها لأنه يحتمل أن يكون عدو قد أشاع ذلك عليهما والثاني: يجوز لأن الاستفاضة أقوى من خبر الثقة ولأن الاستفاضة تثبت القسامة في القتل فثبت بها جواز القذف.

ومن قذف امرأته بزنا يوجب الحد أو تعزير القذف فطولب بالحد أو بالتعزير فله أن يسقط ذلك بالبينة لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (٢) فدل على أنه إذا أتى بأربعة شهداء لم يجلد ويجوز أن يسقط باللعان لما روى ابن عباس -رضي الله عنه- أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البينة أو الحد في ظهرك" فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "البينة وإلا حد في ظهرك" فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله -عز وجل- في أمري ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} ولأن الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفي العار والنسب الفاسد ويتعذر عليه إقامة البينة فجعل اللعان بينة له ولهذا لما نزلت آية اللعان قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً قال هلال قد كنت أرجوا ذلك من ربي -عز وجل-، فإن قدر على البينة ولاعن جاز لأنهما بينتان في إثبات حق فجاز إقامة كل واحدة منهما مع القدرة على الأخرى كالرجلين والرجل والمرأتين في المال، وإن كان هناك نسب يحتاج إلى نفيه لم ينتف بالبينة ولا ينتفي إلا باللعان لأن الشهود لا سبيل لهم إلى العلم بنفي النسب وإن أراد أن يثبت الزنا بالبينة ثم يلاعن لنفي النسب جاز وإن أراد أن يلاعن ويثبت الزنا وينفي النسب باللعان جاز. (٣)


(١) سورة النور آية رقم: ٦.
(٢) سورة النور آية رقم: ٤.
(٣) يُنظر "المهذب" لأبو إسحاق الشيرازي ٣/ ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>