للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده منكر" فيه: يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر: ضعيف الحديث. وفيه أيضاً أَحْمَد بْن بَشِيْر الطَّيَالِسِي: لين الحديث.

وأما الحديث بالوجه الثاني ــــ الراجح ــــ فمرسل إسناده صحيح.

قلت: لكن للحديث من وجهه الراجح شواهد في الصحيحين:

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ. (١)

وعن ابْنَ عَبَّاسٍ أيضاً قال: بَعَثَنِي أَوْ قَدَّمَنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. (٢)

قال ابن حجر: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ هُنَا أَن ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ دُونَ الْبُلُوغِ. (٣)

وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. (٤)

وعلي هذا فيرتقي الحديث بشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره والله أعلم.

خامساً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يُوسُفَ إِلَّا عُبَيْدُ بْنُ جَنَادٍ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال النووي: قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ: فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَجَّ الصَّبِيِّ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ قَالَ أَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ تَمْرِينًا لَهُ لِيَعْتَادَهُ فيفعله إِذَا بَلَغَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِمْ بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْعَقِدُ حَجُّهُ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَجِّ وَتَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ وَدَمُ الْجُبْرَانِ وَسَائِرُ أَحْكَامِ الْبَالِغِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَقُولُ إِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ تَمْرِينًا عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَجِّ في ذلك ويقولون حجه منعقد يقع نفلاً لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ لَهُ حَجًّا. قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: وَلَكِ أَجْرٌ: مَعْنَاهُ بِسَبَبِ حَمْلِهَا وَتَجْنِيبِهَا إِيَّاهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَفِعْلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (٥)


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الحج ب/ صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَأَجْرِ مَنْ حَجَّ بِهِ (١٣٣٦).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ جزاء الصيد ب/ حَجِّ الصِّبْيَانِ (١٨٥٦).
(٣) يُنظر "فتح الباري" ٤/ ٧١.
(٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ جزاء الصيد ب/ حَجِّ الصِّبْيَانِ (١٨٥٨).
(٥) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ٩/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>