للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورواه عَنْ مِهْرَان بهذا الوجه: الْحُسَيْن بْن إِدْرِيسَ بإحدى الروايات عنه. ولهذا الوجه متابعات قاصرة في الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْن عَوْن، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَة: قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي مِنْهُ، ثُمَّ الْقَيْنَا عِنْدَ كَذَا وَكَذَا قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ غَدًا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَال نَفَقَتِكِ.

وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق والله أعلم أنَّ الوجه الثاني هو الوجه الراجح وذلك للقرائن الأتية:

١) المتابعات: فلهذا الوجه متابعات قاصرة كما سبق بيان ذلك.

٢) إخراج الشيخان لهذا الوجه في صحيحهما.

٣) أنَّ مِهْرَان بْن أَبِي عُمَر يخطئ في حديث الثوري وقد اختلف فيه علي الثوري فيرجح من روايته ما توبع عليه لا سيما وأنَّ هذه المتابعات في الصحيحين.

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده ضعيف" فيه: مِهْرَان بْن أَبِي عُمَرَ الرَّازِي: ثقة لكن يخطئ في حديث الثوري. وأما الحديث بالوجه الثاني ــــ الراجح ــــ إسناده ضعيف أيضاً لأجل مِهْرَان بْن أَبِي عُمَرَ. قلت: لكن للحديث متابعات في الصحيحين وغيرهما علي هذا الوجه كما سبق بيان ذلك.

وعلي هذا فيرتقي الحديث من وجهه الراجح بمتابعاته من الضعيف إلي الحسن لغيره.

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف رحمه الله:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا مِهْرَانُ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال النووي رحمه الله: قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَالَ نَفَقَتِكِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ وَكَذَا النَّفَقَةُ.

قال ابن حجر: وَهُوَ كَمَا قَالَ ـــــ يعني النووي ــــــ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمُطَّرِدٍ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْعِبَادَةِ أَخَفَّ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَكْثَرُ فَضْلًا وَثَوَابًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ كَقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالنِّسْبَةِ لِقِيَامِ لَيَالٍ مِنْ رَمَضَانَ غَيْرِهَا وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَكَانِ كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ رَكَعَاتٍ فِي غَيْرِهِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرَفِ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ كَصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا أَوْ أَطْوَلِ مِنْ قِرَاءَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَكَدِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ مِنَ التَّطَوُّعِ أَشَارَ إِلَى ذَلِك ابن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ. قَالَ: وَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَيْنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ شَاقَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَتْ صَلَاةُ غَيْرِهِ مَعَ مَشَقَّتِهَا مُسَاوِيَةً لِصَلَاتِهِ مُطْلَقًا. قال العيني معقباً: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يمْنَع الاطراد لِأَن الْكَثْرَة الْحَاصِلَة فِي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَيست من ذَاتهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِحَسب مَا يعرض لَهَا من الْأُمُور الْمَذْكُورَة. فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق. (١)


(١) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي" ٨/ ١٥٢، "فتح الباري" لابن حجر ٣/ ٦١١، "عمدة القارئ" للعيني ١٠/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>