للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا. أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ. فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هذَا. لَوْ نَقَصَ الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللهِ. وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضاً. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضاً. فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ. وَأَخَذَ عَبْدُ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ. (١)

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ.

قلت: وليس الأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان، فلم يتفرد به مُحَمَّد بْن عُقْبَةَ بل تابعه: أبو الحكم مسجع بْنُ مُصْعَبٍ العبدي، (٢) كلاهما: عَنْ يُونُس بْن أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَار به.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقراضَ وَالْمُضَارَبَةَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، فَالْقراضُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمُضَارَبَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَفِي تَسْمِيَتِهِ قِرَاضًا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ تَأْوِيلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ قَطَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَالْقَطْعُ يُسَمَّى قِرَاضًا. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ تَأْوِيلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ سُمِّيَ قِرَاضًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُنْعًا كَصُنْعِ صَاحِبِهِ فِي بَذْلِ الْمَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوُجُودِ الْعَمَلِ مِنَ الْآخَر. وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَفِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِسَهْمٍ، وَالثَّانِي أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِه وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (٣) أَيْ تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِالسَّفَرِ. وَالْأَصْلُ فِي إِحْلَالِ الْقِرَاضِ وَإِبَاحَتِهِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ -عز وجل- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (٤) وَفِي الْقِرَاضِ ابْتِغَاءُ فَضْلٍ وَطَلَبِ نَمَاءٍ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِأَمْوَالِهَا إِلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ خَدِيجَةُ عَبْدًا لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عبد الله وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهم- قَدِمَا فِي جَيْشِ الْعِرَاقِ وَقَدْ تَسَلَّفَا مِنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَالًا اشْتَرَيَا بِهِ مَتَاعًا فَرَبِحَا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ رِبْحًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهُمَا عُمَرُ: أَكُلُّ الْجَيْشِ تَسَلَّفَ مِثْلَ هذا؟ فقال: لَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَأَنِّي بِكُمَا وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى إِنَّكُمَا ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، رُدَّا


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢٥٣٤)، والشافعي في "مسنده" (١/ ٢٥٢)، والبيهقي في "السنن الصغير" (٢١٤٨)، وفي "السنن الكبرى" (١١٦٠٥)، وفي "معرفة السنن والآثار" (١٢٠٦٥)، والحنائي في "فوائده" (١٢٠٦٥).
(٢) قال أبو حاتم: ليس به بأس، يُنظر "الجرح والتعديل" ٨/ ٤٤٢. وقال ابن حبان: مُسْتَقِيم الحَدِيث، يُنظر "الثقات" ٩/ ٢٠٥.
(٣) سورة النساء آية رقم: ١٠١.
(٤) سورة البقرة آية رقم: ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>