للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وما فعلته أُمُّ سُلَيْم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلته صحابية أخري من نساء الصحابة رضي الله عنهم، وهي: كَبْشَة الْأَنْصَارِيَّة رضي الله عنها. فعن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، عَنْ يَزِيد بْن يَزِيد بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَة، عَنْ جَدَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: كَبْشَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ، فَقَطَعَتْ فَمَ الْقِرْبَةِ؛ تَبْتَغِي بَرَكَةَ مَوْضِعِ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. (١)

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ شَرِيكٍ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ وَمِنْجَابٌ.

قلت: وليس الأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان فلم يتفرد عَلِي بْن حَكِيم، وَمِنْجَاب بْن الحَارِث برواية هذا الحديث ــــــ الوجه الأول "رواية الباب" ــــــ عَنْ شريك. بل تابعهما عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة، وأَبُو غَسَّان النهدي مالك بن إسماعيل. كما سبق بيان ذلك في التخريج.

سادساً: التعليق علي الحديث:

وردت أحاديث تدل علي النهي عن الشرب قائمًا وأحاديث أخري تجيز ذلك. فذهب العلماء إلي أن الشرب قاعداً أفضل ويجوز الشرب قائماً، وأما نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائماً فمحمول علي كراهة التنزيه، وأما شربه -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم فلبيان الجواز لأمته فهو المعلم -صلى الله عليه وسلم-. قال النووي رحمه الله: والصواب أنها كلها صحيحة - أي الروايات التي نهت عن الشرب قائماً والأخرى التي أجازت ذلك - والنهي فيها محمول على كراهة التنزيه وأما شربه -صلى الله عليه وسلم- قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض. فإن قيل كيف يكون الشرب قائمًا مكروهًا وقد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فالجواب أن فعله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان بيانًا للجواز لا يكون مكروهًا بل البيان واجب عليه -صلى الله عليه وسلم- فكيف يكون مكروهًا وقد ثبت عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة وطاف على بعير مع أن الإجماع على أن الوضوء ثلاثًا والطواف ماشيًا أكمل ونظائر هذا غير منحصرة فكان -صلى الله عليه وسلم- ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه وهكذا كان أكثر وضوئه -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا ثلاثًا وأكثر طوافه ماشيًا وأكثر شربه جالسًا وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم. (٢)


(١) أخرجه الترمذي في "سننه" ك/ الأشربة ب/ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ ـــــ أي في اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ ــــــ (٤/ ٣٠٦ رقم ١٨٩٢)، وابن ماجة في "سننه" ك/ الأشربة ب/ الشُّرْبُ قَائِمًا (٤/ ٤٩٠ رقم ٣٤٢٣)، وأحمد في "مسنده" (٤٥/ ٤٣٨ رقم ٢٧٤٤٨)، والبغوي في "شرح السنة" ب/ الرُّخْصَة فِيهِ ـــــ أي الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء ــــ (١١/ ٣٧٨ رقم ٣٠٤٢).
(٢) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ١٣/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>