للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وهو يروي هذا الحديث بكلا الوجهين عن الرَّبِيع بْن أَنَسٍ الْبَكْرِي: وهو ثقة لكن قال ابن حبان: الناس يتقون من حديثه ــــ أي حديث الرَّبِيع ـــــ ما كان من رواية أبي جعفر عنه لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً، وقال مرة: كان الرَّبِيع بْن أَنَس رَاوِيَة لأبي العالية وكل ما في أخباره من المناكير إنما هي من جهة أبى جعفر الرازي. قلت: قال المناوي: إسناده لين. (١)

قلت: وللحديث شواهد منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عَبْد الله بْن بُرَيْدَة، عَنْ أَبِيه، قَالَ: قَال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا». وفي رواية: فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا. (٢)

وفي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». (٣)

قال ابن حجر في كلامه علي بعض طرق هذا الحديث ـــــ ومنها حديث الباب ـــــ: كيف يتأتى القول بتضعيفه مع وجود مخارجه الصحيحة ثم مع كثرة طرقه حتى قال الإمام أحمد إنها جاءت عن عشرين صحابياً. قال ابن حجر: بل زادت عن ثلاثين صحابياً وأكثر الأحاديث عنهم جياد ومضمونها أن المسكر لا يحل تناوله بل يجب اجتنابه والله أعلم. (٤)

وعلي هذا فيرتقي الحديث بشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره والله أعلم.

خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:

قال الطبراني رحمه الله: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو جَعْفَرٍ.

قلت: والأمر في ذلك كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال النووي رحمه الله: قَوْلُهُ: -صلى الله عليه وسلم- وأنهاكم عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ والْمُزَفَّتِ فمعنى النهي عن هذه الأربع: هو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراماً نجساً وتبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر بل إذا صار مسكراً شقها غالباً ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا


(١) يُنظر " التيسير بشرح الجامع الصغير" للمناوي ١/ ٣٥.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الأشربة ب/ النَّهْيِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ، وَبَيَانِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّهُ الْيَوْمَ حَلَالٌ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا (٣/ ١٥٨٤ رقم ٩٧٧).
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ الوضوء ب/ لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ، وَلَا المُسْكِرِ (١/ ٥٨ رقم ٢٤٢)، ومسلم في "صحيحه" ك/ الأشربة ب/ بَيَانِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَأَنَّ كُلَّ خَمْرٍ حَرَامٌ. (٣/ ١٥٨٦ رقم ٢٠٠١).
(٤) يُنظر "فتح الباري ١٠/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>