للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني "إسناده صحيح". قلت: والحديث أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة. وله متابعات أيضاً في الصحيحين من حديث مُحَمَّد بْن زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمَطْهَرَةِ فَقَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، ولفظ مسلم: وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ. (١) وقد سبق بيان ذلك في التخريج.

رابعاً: التعليق علي الحديث:

قال الترمذي: وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ أَوْ جَوْرَبَانِ. (٢)

وقال أبو زرعة بن زنجلة رحمه الله: قوله تعالي: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (٣) قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَحَفْص: وأرجلَكم بِالْفَتْح وحجتهم أَنَّهَا معطوفة على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي فأوجبوا الْغسْل عَلَيْهِمَا وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن عمر قَالَ كنت أَقرَأ أَنا وَالْحسن وَالْحُسَيْن قَرِيبًا من عَليّ -رضي الله عنه- وَعِنْده نَاس قد شغلوه فقرأنا وأرجلَكم فَقَالَ رجل وأرجلِكم بِالْكَسْرِ فَسمع ذَلِك عَليّ -رضي الله عنه- فَقَالَ لَيْسَ كَمَا قلت ثمَّ تَلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (٤) هَذَا من الْمُقدم والمؤخر فِي الْكَلَام. وَفِي الْقُرْآن من هَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كثير. قَالَ الزّجاج الدَّلِيل على أَن الْغسْل هُوَ الْوَاجِب فِي الرجل وَأَن الْمسْح لَا يجوز: تَحْدِيد قَوْله: إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي تَحْدِيد الْيَد: إِلَى الْمرَافِق، وَلم يجِئ فِي شَيْء من الْمسْح تَحْدِيد قَالَ: وامسحوا برؤوسكم بِغَيْر تَحْدِيد فِي الْقُرْآن، وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر: وأرجلِكم خفضاً عطفاً على الرؤوس، وحجتهم فِي ذَلِك مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ الْوضُوء غسلتان ومسحتان، وَقَالَ الشّعبِيّ نزل جِبْرَائِيل بِالْمَسْحِ أَلا ترى أَنه أهمل مَا كَانَ مسحاً وَمسح مَا كَانَ غسلاً فِي التَّيَمُّم. وَالصَّوَاب من القَوْل مَا عَلَيْهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار أَن الْغسْل هُوَ الْوَاجِب نَحْو الرجلَيْن، وَيجوز أَن يكون قَوْله: وأرجلكم بالخفض حملت على الْعَامِل الْأَقْرَب للجوار وَهِي فِي الْمَعْنى للْأولِ كَمَا يُقَال هَذَا جُحر ضَب خرب فَيحمل على الْأَقْرَب وَهُوَ فِي الْمَعْنى للْأولِ. (٥)

وقال النووي رحمه الله: قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: ويل للأعقاب من النار: مراد مسلم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيرَادِهِ هُنَا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُجْزِئُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ الوضوء ب/ غَسْلِ الأَعْقَابِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ (١/ ٤٤ رقم ١٦٥)، ومسلم في "صحيحه" ك/ الطهارة ب/ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بِكَمَالِهِمَا (١/ ٢١٤ رقم ٢٤٢).
(٢) يُنظر "سنن الترمذي" ١/ ٦٠.
(٣) سورة المائدة آية رقم: ٦.
(٤) سورة المائدة آية رقم: ٦.
(٥) يُنظر "حجة القراءات" لأبو زرعة بن زنجلة ١/ ٢٢١ ــــ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>