للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لعل ذلك والله أعلم لأجل أن سَلَمَة بن كُهَيْلِ كوفي من أهل العراق، والراوي عنه مدني وهو: عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدِ، وعنه عَبْد اللَّهِ بْن لَهِيعَة المِصري، وكان يلزم أن يكون الحديث مخرجه بهذا الإسناد من العراق، فيرويه أهل العراق عَنْ سَلَمَة بن كُهَيْلِ. أما وأن الحديث غاير مخرجه الأصلي فخرج من المدينة ومصر مع انفراد ابن لهيعة به دون أن يتابعه أحد من العراقيين عليه فلعل ذلك هو السبب في ما قاله أبو حاتم مِنْ أنَّ هَذَا الحديثِ لَيْسَ له أصلٌ بِالْعِرَاقِ وَهُوَ مُنكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، والله أعلم.

قلت: ومع هذا فللحديث شواهد صحيحة من حديث بُرَيْدَةَ بْنِ الحصيب، وصَفْوَانَ بْنِ عَسَّال.

ومنها ما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث بُرَيْدَة بْن الحصيب قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا .... (١)

رابعاً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَرِيرٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ لَهِيعَةَ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

خامساً: التعليق علي الحديث:

قال ابن الجوزي رحمه الله: قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- "لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا ". الْغلُول أَخذ شَيْء من الْمغنم قبل قسمته فِي خُفْيَة، والغدر: نقض الْعَهْد. والمثلة: تَشْوِيه الْخلقَة. وَقَوله: وَلَا تقتلُوا وليدًا. الْوَلِيد: الصَّغِير، وَذَلِكَ لِأَن الصّبيان وَالنِّسَاء يصيرون رَقِيقا بِنَفس السَّبي، وَلَا يجوز إِضَاعَة المَال. (٢)

وقال النووي رحمه الله: أَمَّا السَّرِيَّةُ فَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: هِيَ الْخَيْلُ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوَهَا قَالُوا سُمِّيَتْ سَرِيَّةً لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ وَيَخْفَى ذَهَابُهَا وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ يُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى إِذَا ذَهَبَ لَيْلًا.

قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- وَلَا تَغْدِرُوا: بِكَسْرِ الدَّالِ. وَالْوَلِيدُ الصَّبِيُّ.

وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ: تَحْرِيمُ الْغَدْرِ، وَتَحْرِيمُ الْغُلُولِ، وَتَحْرِيمُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، وَكَرَاهَةُ الْمُثْلَةِ، وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرِّفْقِ بِأَتْبَاعِهِمْ وَتَعْرِيفِهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوِهِمْ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحِلُّ لَهُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ. (٣)


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ ب/ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْبُعُوثِ، وَوَصِيَّتِهِ إِيَّاهُمْ بِآدَابِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهَا (١٧٣١)، وأبو حنيفة في "مسنده" رواية الحصكفي (٢)، وأبو يوسف في "الآثار" (٨٧٤، ٨٧٣)، وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "مصنفه" (٩٤٢٨)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٣٥٩٩، ٣٣٤٦٧)، وأحمد في "مسنده" (٢٣٠٣٠)، وابن زنجويه في "الأموال" (٧٥٨، ٧٥٧، ١٠٢)، والدارمي في "سننه" (٢٤٨٣)، وابن ماجة في "سننه" (٢٨٥٨)، وأبو داود في "سننه" (٢٦١٣)، والترمذي في "سننه" (١٦١٧، ١٤٠٨)، والبزار في "مسنده" (٤٣٥٥)، والنسائي في "الكبرى" (٨٥٣٢).
(٢) يُنظر "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي ٢/ ٢٨.
(٣) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ١٢/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>