الوجه الثاني: عَبْد الله بْن الْمُؤَمَّلِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
ورواه عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ بهذا الوجه: يَزِيد بن هارون.
وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق والله أعلم أن الوجه الأول هو الوجه الراجح وذلك لما يلي:
١) رواية الأكثر عدداً: فقد رواه بهذا الوجه جماعة من الرواة وهذا بخلاف الوجه الثاني.
٢) رواية الأحفظ: فقد رواه بالوجه الأول ثقات حفاظ كالشافعي، ومعن بن عيسي.
٣) المتابعات: فقد تابع عَبْد الله بْن الْمُؤَمَّل علي الوجه الأول: إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان.
رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:
الحديث بإسناد الطبراني ـــ الوجه الأول الراجح ـــ "إسناده ضعيف".
قلت: وقد ذكر العلماء في ضعف هذا الحديث أربع علل وهي كالآتي:
العلة الأولي: ضعف عَبْد اللَّه بْن الْمُؤَمَّلِ. العلة الثانية: ضعف حُمَيْد مَوْلَى عَفْرَاء. العلة الثالثة: الاختلاف الحاصل في إسناده. العلة الرابعة: الانقطاع الحاصل بين مجاهد، وأبي ذر.
أما جواب العلة الأولي: وهي ضعف ابْن الْمُؤَمَّلِ: قلت: وهو ضعيفُ قطعاً لكن تابعه علي الوجه الأول الراجح ــــــ رواية الطبراني ـــــ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان وهو ثقة لكن الطريق إليه ضعيف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث يعد فِي أَفْرَاد عبد الله بن المؤمل، وهو ضَعِيف إِلَّا أَن ابن طهْمَان قد تَابعه فِي ذَلِك عَن حميد وَأقَام إِسْنَاده.
وأما جواب العلة الثانية: وهي ضعف حُمَيْد مَوْلَى عَفْرَاء: قلت: حُميد ثقة ولم يضعفه إلا البيهقي، وابن عبد البر، وأحمد في رواية، وفي رواية أخري عنه أنه ثقة. وقد بينت في ترجمته أن حُمَيْد مَوْلَى عَفْرَاء هو حُمَيْد بن قيس الأعرج وأنه ثقة روي له الجماعة. قال ابن الملقن: وقد طُعْن فِي حميد مولَى عفراء، وحميد أخرج لَهُ الشَّيْخَان وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة.
وأما جواب العلة الثالثة: وهي الاختلاف الحاصل في إسناده: قلت: قد اختلف في إسناده لكن ظهر لنا الوجه الراجح من هذا الاختلاف وعليه فيكون هذا الوجه الراجح هو الطريق الصحيح لهذا الحديث دون بقية الأوجه وذلك بغض النظر عن صحة أو ضعف هذا الوجه الراجح، وتبين لنا أن الوجه الراجح هو رواية الطبراني والتي هي رواية الباب.
وأما جواب العلة الرابعة: وهي الانقطاع الحاصل بين مجاهد، وأبي ذر: قلت: وهذه العلة ثابتة فقال ابن الملقن: نَص عَلَى ذَلِك الْحفاظ: قَالَ أَبُو حَاتِم، والبيهقي، والمنذري، وابن عبد البر: لَمْ يَسْمَعْ مُجَاهِدٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وقال ابن خزيمة: أَنَا أَشُكُّ فِي سَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِي مرة: هَذَا الْخَبَر مُنْقَطع وَفِي ثُبُوته نظر، وَمُجاهد لَا يثبت لَهُ سَماع من أبي ذَر. وقَال أيضاً: قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ جَاءَنَا أَبُو ذَرٍّ أَيْ جَاءَ بَلَدَنَا، قَال ابن دقيق العيد: مِمَّا يُؤَيّد هَذَا أَن ابْن عدي رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي «كَامِله» من حَدِيث اليسع بن طَلْحَة الْقرشِي قَالَ: سَمِعت مُجَاهدًا يَقُول: بلغنَا أَن أَبَا ذَر قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أَخذ بحلقتي الْكَعْبَة يَقُول ثَلَاثًا: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر إِلَّا بِمَكَّة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اليسع بن طَلْحَة قد ضَعَّفُوهُ، والْحَدِيث