للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن منظور رحمه الله: في مادة شحم: قال ابْنُ سِيدَهْ: الشَّحْمُ جَوْهَرُ السِّمَنِ، وَالْجَمْعُ شُحُوم، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَحْمةٌ، وشَحُمَ الإِنسانُ وغيرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: لعنَ اللهُ اليهودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وأَكلوا أَثمانَها. والشَّحْمُ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ: هُوَ شَحْمُ الكُلى وَالْكَرِشِ والأَمعاء، وأَما شَحْم الأَلْيَةِ والظُّهور فَلَا. وشَحُمَ فَهُوَ شَحِيمٌ: صَارَ ذَا شَحْم فِي بَدَنِهِ. وَقَدْ شَحُم، بِالضَّمِّ، وشَحِمَ شَحَماً، فَهُوَ شَحِمٌ: اشْتَهى الشَّحْم، وَقِيلَ: أَكل مِنْهُ كَثِيرًا. وأَشْحَمَ: كَثُرَ عِنْدَهُ الشَّحْمُ. (١)

سابعاً: التعليق علي الحديث:

قلت: قد جاء تفسير ذلك الحديث في رواية أخري في الصحيحين عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. (٢)

فقوله: أَجْمَلُوهُ أَيْ أَذَابَوه حتي يَزُولَ عَنْهَا اسْمُ الشَّحْمِ، وهذه حيلة من الحيل التي يحتالون بها علي أوامر الله تعالي، وَفِي هذا الحديث دَلِيلٌ عَلَى بُطْلانِ كُلِّ حِيلَةٍ يُحْتَالُ بِهَا لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مُحَرَّمٍ، وَأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغْيِيرِ هَيْأَتِهِ، وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ، وفي الحديث أيضاً أن الصحابة طلبوا من النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- استثناء شحوم الميتة فإنه وإن كانت الميتة محرمة، ولا يجوز أكلها، ولا الانتفاع بها، لكن في شحومها منفعة، فيُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وغير ذلك من المنافع لكن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: لا، هو حرام. واختلف العلماء هنا في عود الضمير ــــ هو ــــ هل هو عائد إلى النهى عن البيع؟ أم هو عائد إلي تحريم الشحوم؟ فقيل: الضمير راجع إلى البيع فقوله: هو حرام يعني: البيع حرام، فلا يجوز بيعه، ولا أخذ ثمنه، أما الانتفاع به لصاحبه في غير البيع فجائز؛ لأن التحريم عائد على البيع، وليس هناك نهي عن الانتفاع، وهذا هو مذهب الشَّافِعِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي طَلْيِ السُّفُنِ وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا فِي بَدَنِ الْآدَمِيِّ وَبِهَذَا قَالَ أَيْضًا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالطَّبَرِيُّ. وقيل أن الضمير راجع إلى الشحم، فيكون النهي عن الانتفاع عموماً، ومنه البيع لأن البيع انتفاع، وهذا هو مذهب الْجُمْهُورُ أنه لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا لِعُمُومِ النهي عن الانتفاع بالميتة الا ما خص بالدليل وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ. (٣)


(١) يُنظر "لسان العرب" لابن منظور ١٢/ ٣١٩.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ البيوع ب/ بَيْعِ المَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ (٣/ ٨٤ رقم ٢٢٣٦)، ومسلم في "صحيحه" ك/ المساقاة ب/ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ. (٣/ ١٢٠٧ رقم ١٥٨١) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(٣) يُنظر "شرح صحيح مسلم" للنووي ١١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>