ثالثاً: النظر في الخلاف والترجيح:
يتبين لنا مما سبق أنَّ هذا الحديث مدراه علي الْحَسَن البصري، واختلف عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: رواه مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان، واختلف عنه من طريقين:
الطريق الأول: مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ.
ورواه عَنْ مُعْتَمِر بهذا الطريق: الْفَيْض بْن وَثِيق، وعُبَيْد اللهِ بْن مُعَاذ الْعَنْبَرِي، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وعُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَة، ونَصْر بْن عَلِي. وهذا الوجه أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق عُبَيْد اللهِ بْن مُعَاذ الْعَنْبَرِي.
الطريق الثاني: المُعْتَمِر، عَنْ يُونُسَ بْن عُبَيْد، عَنِ الْحَسَن، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ.
ورواه عَنْ المُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان بهذا الوجه: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِي، ومُسَدَّد بْن مُسَرْهَدٍ.
وقد تابع المُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان علي هذا الوجه: عَبْد الوَارِث بن سعيد، وحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وهُشَيْم، وإِسْمَاعِيل، وسُفْيَان الثوري، وخَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله. وهذه المتابعات في الصحيحين وغيرهما كما سبق بيان ذلك.
الوجه الثاني: عَنْ الْحَسَن البصري مرسلاً.
ورواه عَنْ الْحَسَن بهذا الوجه: إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد وهو ثقة ثبت. لكن في الطريق إليه: إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْس: قال ابن حجر: صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه. وقال في هدي الساري: لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره إلا أن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه. (١)
الوجه الثالث: الْحَسَنُ، عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن الْخُزَاعِي.
ورواه عَنه بهذا الوجه: سَعِيدُ بْنُ زَرْبِي. قال ابن حجر: منكر الحديث. قال الطبراني: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ عِمْرَان إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: سَعِيد. وقَال ابن عدي: ولَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنِ الْحَسَنِ غَيْرَ سَعِيد.
وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق أنَّ الوجه الراجح هو الوجه الأول بكلا طريقيه وذلك للقرائن الأتية:
١) رواية الأكثرية، والأحفظية كما سبق بيان ذلك.
٢) إخراج الشيخان لهذا الوجه في صحيحهما.
رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:
الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول الراجح ـــ "إسناده ضعيف" فيه: الْفَيْضُ بْنُ وَثِيق ضعيف يُعتبر به. قلت: لكن تابعه عُبَيْد اللهِ بْن مُعَاذ الْعَنْبَرِي وغيره وهذه المتابعة أخرجها مسلم في "صحيحه" كما سبق بيان ذلك في التخريج.
وعلي هذا فيرتقي الحديث بمتابعاته من الضعيف إلي الحسن لغيره والله أعلم.
خامساً: النظر في كلام المُصَنِف:
قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ إِلَّا مُعْتَمِرٌ.
(١) يُنظر "هدي الساري" ١/ ٣٩١.