للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: النظر في الخلاف والترجيح:

يتبين لنا مما سبق أنَّ هذا الحديث مداره عَلى نَافِع، واختلف عنه من وجهين:

الوجه الأول: نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَر مرفوعاً. ورواه عَنْ نَافِعٍ: إِبْرَاهِيم بْن مَيْمُون الصَّائِغ. وهو صدوق.

الوجه الثاني: نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَر موقوفاً. ورواه عَنْ نَافِعٍ بهذا الوجه مالك. ومالك جبل في الحفظ.

وعلي هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الوجه الثاني هو الوجه الراجح وذلك لما يلي:

١) رواية الأحفظ: فَرَاوِيَة الوجه الثاني مالك بن أنس أحفظ من رَاوِيَة الوجه الأول. قال ابن حجر: مالك رأس المُتْقِنِيْن وكبير المُتَثَبِتِيْن، وقال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عَنْ نافع عَن ابن عُمَر. (١)

رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:

الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده ضعيف" فيه: أَحْمَد بْن بَشِيْر الطَّيَالِسِي: فيه لين. وأما الحديث بالوجه الثاني الموقوف ـــ الراجح ــــ "فموقوف إسناده صحيح ".

قلت: وإن كان موقوفاً إلا أنه له حكم الرفع لأن ذلك من الأمور التعبدية التي لا تُفعل بالرأي أو الاجتهاد.

قال ابن حجر: ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ حُكماً: أَنْ يَفْعل ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، فَيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الشافعي في صلاة عَلِيٍّ في الكُسوفِ في كلِّ ركعةٍ أكثرَ مِن رُكوعَيْنِ. (٢)

قلت: ويؤيد ذلك ثبوته عَنْ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ـــــ بالمعني ــــــ من طريق مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -عليه السلام-: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى. (٣)

خامساً: النظر في كلام المُصَنِفْ:

قال الطبراني رحمه الله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَّا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ.

قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.

سادساً: التعليق علي الحديث:

قال الخطابي رحمه الله: ذهب جماعة من السلف إلى أن الوتر ركعة منهم عثمان وابن عباس وعائشة وابن الزبير وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق غير أن الاختيار عند مالك والشافعي وأحمد أن يصلي ركعتين ثم يوتر بركعة فإن أفرد الركعة كان جائزًا عند الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وكرهه مالك. وقال أصحاب الرأي الوتر ثلاث لا يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة. وقال الثوري الوتر ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة. وقال الأوزاعي إن فصل بين الركعتين والثالثة فحسن وإن لم يفصل فحسن. وقال مالك يفصل بينهما فإن لم يفعل ونسي إلى أن قام في الثالثة سجد سجدتي السهو. (٤)


(١) يُنظر "التقريب" صـ ٤٤٩.
(٢) يُنظر "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" لابن حجر ١/ ١٣٤.
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ الوِتْرِ ب/ مَا جَاءَ فِي الوِتْرِ (٩٩٠).
(٤) يُنظر "معالم السنن" للخطابي ١/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>