للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة. وأما عمر فإنه خاف الاستنان به، وترك الناس الحلف على حقوقهم، فيدل على أنه لولا ذلك، لما حلف، وهذا أولى، والله تعالى أعلم. (١)

وقال ابن القيم رحمه الله: قد ثبت وتقرر أن الإقدام على اليمين يصعب، ويثقل على كثير من الناس، سيما على أهل الدين وذوي المروءات والأقدار، وهذا أمر معتاد بين الناس على ممر الأعصار، لا يمكن جحده. وكذلك رُوي عن جماعة من الصحابة: أنهم افتدوا أيمانهم، منهم: عثمان، وابن مسعود وغيرهما، وإنما فعلوا ذلك لمروءتهم، ولئلا تسبق الظلمة إليهم إذا حلفوا، فمن يعادي الحالف، ويحب الطعن عليه، يجد طريقاً إلى ذلك، لعظم شأن اليمين وعظم خطرها، ولهذا جعلت بالمدينة عند المنبر، وأن يكون ما يحلف عليه عنده مما له حرمة، كربع دينار فصاعداً، فلو مُكن كل مدع أن يُحَّلِف المدعى عليه بمجرد دعواه لكان ذلك ذريعة إلى امتهان أهل المروءات وذوي الأقدار والأخطار والديانات لمن يريد التشفي منهم، لأنه لا يجد أقرب ولا أخف كلفة من أن يقدم الواحد منهم من يعاديه من أهل الدين والفضل إلى مجلس الحاكم ليدعي عليه ما يعلم أنه لا ينهض به، أو لا يعترف، ليتشفى منه بتبذله وإحلافه، وأن يراه الناس بصورة من أقدم على اليمين عند الحاكم، ومن يريد أن يأخذ من أحد من هؤلاء شيئاً على طريق الظلم والعدوان وجد إليه سبيلاً، لعله يفتدي يمينه منه، لئلا ينقص قدره في أعين الناس، وكلا الأمرين موجود في الناس اليوم. قال: وقد شاهدنا من ذلك كثيراً، وحضرناه، وأصابنا بعضه، فكان ما ذهب إليه مالك ومن تقدمه من الصحابة والتابعين: حراسة لمروآت الناس، وحفظاً لها من الضرر اللاحق بهم، والأذى المتطرق إليهم. (٢)


(١) يُنظر "المغني" لابن قدامة ١٤/ ٢٢٩.
(٢) يُنظر "الطرق الحكمية" ١/ ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>