وآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء. فحذرنا الله من اتباع سبيلهم.
قال ابن جرير رحمه الله: اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} فقرأها عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-: إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ، فعن حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ قال قَرَأَهَا عَلِيٌّ -رضي الله عنه-: فَارَقُوا دِينَهُمْ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ، قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ. وَكَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ تَأَوَّلَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ، فَفَرَّقَ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَتَهَوَّدَ قَوْمٌ، وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ، فَجَعَلُوهُ شِيَعًا مُتَفَرِّقَةً. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ضَالٍّ فَلِدِينِهِ مُفَارِقٌ، وَقَدْ فَرَّقَ الْأَحْزَابُ دِينَ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَتَهَوَّدَ بَعْضٌ، وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ، وَتَمَجَّسَ بَعْضٌ، وَذَلِكَ هُوَ التَّفْرِيقُ بِعَيْنِهِ وَمَصِيرُ أَهْلِهِ شِيَعًا مُتَفَرِّقِينَ غَيْرَ مُجْتَمِعِينَ، فَهُمْ لِدِينِ اللَّهِ الْحَقِّ مُفَارِقُونَ وَلَهُ مُفَرِّقُونَ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ لِلْحَقِّ مُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِالَّذِي عَلَيْهِ عِظَمُ الْقُرَّاءِ، وَذَلِكَ تَشْدِيدُ الرَّاءِ مِنْ فَرَّقُوا. (١)
(١) يُنظر "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" للطبري ١٠/ ٢٩ ــــــــ ٣٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute