ابن حجر: الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وثبته. وقال أحمد: سألت يحيى بن سعيد من كان أحفظ الزهري أو قتادة؟ فقال: ما فيهما إلا حافظ. وقال ابن معين: الحفاظ المعروفون بالحفظ: الزهري، وقتادة، والأعمش، وكل واحد منهم إمام في نفسه ضابط لما هو فيه من الحفظ وتصريف الأخبار. روي له الجماعة.
وقد وُصف بالتدليس: فقال ابن حجر: وصفه الشافعي، والدارقطني وغير واحد بالتدليس، وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وذكره العلائي في المرتبة الثانية وقال: قبل الأئمة قوله عن.
قلت: فوصفه بالتدليس ليس قادحاً في روايته فقد قبل العلماء تدليسه كما قال العلائي والحلبي، في حين أن تدليسه كان نادراً، كما قال الذهبي، وصرح بذلك ابن حجر في الفتح بأنه كان قليل التدليس.
وقد وصف بالإرسال أيضاً: فقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّان: مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ حَافِظٌ، وَكُلُّ مَا قَدِرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَه، وقال الذهبي: مَرَاسِيْلُ الزُّهْرِيِّ كَالمُعْضَلِ؛ لأَنَّهُ يَكُوْنُ قَدْ سَقَطَ مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا يَسُوغُ أَنْ نَظُنَّ بِهِ أَنَّهُ أَسقَطَ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَه عَنْ صَحَابِيٍّ لأَوضَحَهُ، وَلَمَا عَجِزَ عَنْ وَصْلِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ يَقُوْلُ: عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ عَدَّ مُرْسَلَ الزُّهْرِيِّ كَمُرْسَلِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَدرِ مَا يَقُوْلُ، نَعَمْ، مُرْسَلُه كَمُرْسَلِ قَتَادَةَ، وَنَحْوِه. وقال الشَّافِعِيَّ: إرسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وقال أحمد بن سنان: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا. ويقول: هو بمنزلة الريح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه.
فوصفه بالإرسال مثله مثل غيره من العلماء الذين وقع الإرسال في رواياتهم، ولعل من أسباب ذلك عندهم أن يكونواْ سمعوا الحديث من جماعة من الثقات وصح عندهم ووقر في أنفسهم فأرسلوه مع علمهم بصحته، كما قال يحيى بن سعيد القطان: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه. مع الأخذ في الاعتبار أن الزهري معروف بحرصه علي رواية الأحاديث بأسانيدها فقد قال لإسحاق بن أبي فروة: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك علي الله، ألا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطْم ولا أزِمَّة، وعندما قال له ابن عُيينة: هاته ـــــ أي الحديث ـــــ بلا إسناد، قال: أترقي السطح بلا سلم، وتعقب أحمد بن صالح المصري ــــــ وهو العالم بحديث الزهري ــــــ يحيي بن سعيد القطان فقال: وما ليحيي ومعرفة علم الزهري، ليس كما قال يحيي. وعلي ذلك فمراسيله يمكن قبولها، والله أعلم. وحاصله أنه "ثقة حافظ اشتهر بالتدليس، والإرسال، لكن قبل الأئمة قوله عن". (١)