(٢) قال ابن الملقن: في "البدر المنير" (٢/ ٤١٣، ٤١٢) عَن جَابر -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا اخْتِصَار من الحَدِيث الأول؛ يَعْنِي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر حَيْثُ قَرَّب للنَّبِي خبْزًا وَلَحْمًا فَأكل، ثمَّ دَعَا بِوضُوء فتوضَّأ ثمَّ صَلَّى الظّهْر، ثمَّ دَعَا بِفضل طَعَامه فَأكل ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي العلل (١/ ٦٤٤): سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي: حَدِيث: ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْمَتْن؛ إِنَّمَا هُوَ أَن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- أكل كَتفًا وَلم يتَوَضَّأ. كَذَا رَوَاهُ الثِّقَات، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، وَيُمكن أَن يكون شُعَيْب حدث بِهِ من حفظه فَوَهم فِيهِ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّمَا هُوَ: أَن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ. قال ابن الملقن: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه الإِمَام: الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد أقرب مِمَّا قَالَه أَبُو حَاتِم؛ فَإِن المتنين متباعدي اللَّفْظ ـــ أَعنِي ـــ قَوْله: آخر الْأَمريْنِ، وَقَوله: أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ. وَلَا يجوز التَّعْبِير بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر والانتقال من أَحدهمَا إِلَى الآخر إِنَّمَا يكون عَن غَفلَة شَدِيدَة، وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من أَنه اخْتِصَار من حَدِيثه الأول فأقرب لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون قد عبَّر بِهَذِهِ الْعبارَة عَن مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى. قلت أي ابن الملقن: وَفِي التَّعْبِير أَيْضاً بذلك نظر، إِلَّا أَن تكون تِلْكَ الْحَالة آخر الْأَمر عِنْده؛ فَعبر بهَا. ونحا ابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَى مقَالَة أبي دَاوُد السالفة، فَقَالَ: هَذَا خبر مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، اخْتَصَرَهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار مُطلقًا، وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مست النَّار خلا لحم الْجَزُور. قلت ــــالباحث ـــــ وأمّا ابن حزم فزعم بعد تصحيحه حديث آخر الأمرين أنّ من قال إنّه مختصر من الأول قول بالظن، والظن أكذب الحديث، بل هما حديثان اثنان. يُنظر "شرح سنن ابن ماجه" لمغلطاي ١/ ٤٦١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute