للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحمد لله رب العالمين الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ والْإِحْسَانِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، الَّذِي أَنْشَأَ الْخَلْقَ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَجَنَّسَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ، وَاصْطَفَى مِنْهُمْ طَائِفَةً أَصْفِيَاءَ، وَجَعَلَهُمْ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، فَهُمْ خَوَاصُّ عِبَادِهِ، وَأَوْتَادُ بِلَادِهِ، يَصْرِفُ عَنْهُمُ الْبَلَايَا، وَيَخُصُّهُمْ بِالْخَيْرَاتِ وَالْعَطَايَا، فَهُمُ الْقَائِمُونَ بِإِظْهَارِ دِينِهِ، وَالْمُتَمَسِّكُونَ بِسُنَنِ نَبِيِّهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَدَّرَ وَقَضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي زَجَرَ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَوْلِيَاءِ دُونَ كِتَابِهِ، وَاتِّبَاعِ الْخَلْقِ دَونَ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَرَسُولُهُ الْمُجْتَبَى، بَلَّغَ عَنْهُ رِسَالَتَهُ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ آمِرًا وَنَاهِيًا وَمُبِيحًا وَزَاجِرًا (١)، صلاة دائمة في كل حين تنمو وتزيد، ولا تنفد ما دامت الدنيا والآخرة ولا تبيد.

أرواحنا الفداء لمن أخلاقه شهدت بأنه خير مبعوث من البشر

عمت فضائله كل البلاد كما عمت البرية ضوء الشمس والقمر.

أما بعد: فإن السنة النبوية المطهرة هي الأصل الثاني للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله -عز وجل-، وإنَّ علم الحديث مَفْخَرةٌ مِنْ مفاخر العلوم الإسلامية، فقد كان أول مَنْهجٍ عِلْمِيٍّ يُوضع في تاريخ العلوم الإنسانية لتمحيص الرِّوايات، وتدقيق الأخبار، ومعرفةِ الصحيح مِنْ الضعيف، والمقبول مِنْ المردود، بَيْنَما كان هذا الأمر غُفْلاً عند الأُمم الأُخْرَى؛ ينقلون ما هبَّ ودَبَّ مِنْ الرِّوايات والقصص والأخبار؛ دون أن يكون لديهم أي ميزانٍ أو ضابطٍ لها، حتى لو كانت تتعلَّقُ بدينهم، أو تدخل في عقائدهم؛ لذا راجت عندهم الأساطير، ودَاخَلَ مُعتقداتهم التحريفُ، وشَابت كُتُبَهم التُّرَّهاتُ والأباطيل. فكان هذا العلم - وهو علم الحديث - إعجازٌ مِنْ الله -عز وجل- في حفظ كتابه؛ لأنَّ السُّنة هي المُبَيِّنةُ للقرآن، وهي المُفَسِّرةُ له، وحفظ الشيء يكون بحفظ بيانه، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٢). (٣) وكما أن الله -عز وجل- قيض للكتاب العزيز العدد الكبير، والجم الغفير من الثقات الحفظة في كل قرن لينقلوه من السلف إلى الخلف كذلك قيض الله -عز وجل- للسُنة الشريفة أئمة كباراً، وجهابذة نقاداً، أوقفوا حياتهم لها، حتى ميزوا لنا صحيح الحديث من سقيمه، ونقدوا لنا الإسناد والمتن بتمحيص شديد وتوثيق بالغ لامثيل له، وبينوا لنا الغريب من الأحاديث والأفراد، بل واعتنوا بتلك الغرائب والأفراد أشد عناية واهتمام حتى أفردوا لها الكتب والمؤلفات. ومما يدل على شدة اعتناء صيارفة الحديث ونقاده بهذا النوع من أنواع علوم الحديث ألا وهو الغرائب والأفراد أنهم تكلموا عليه في شتي كتب الحديث وعلومه، ككتب المصطلح، والرجال، والجرح والتعديل، وكتب


(١) مقتبس من مقدمة كتاب "معرفة علوم الحديث" للحاكم صـ ١.
(٢) سورة "النحل"، الآية رقم: ٤٤.
(٣) يُنظر مقدمة كتاب "التَّفرُّد في رواية الحديث ومنهج المُحَدِّثين في قبوله" د/ عبد الجَوَاد حَمَام صـ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>