وقوله إلى ضوء نار شتوي القد أهلها، أبدل إلى ضوء نار مما في البيت الأول بإعادة حرف الجر معه. ويعني ناراً لقوم مضرورين مجهودين لا خير عندهم، ولا طعام بفنائهم، مضطرين إلى شي القد، لأنهم أعوزهم ما هو خير منه. فتعجب وقد استضافهم هؤلاء السارون، ثم قال: وقد يكرم الأضياف مع مجاهدة الفقر، ومزاولة الضر، إذا كان المضيف لطيف الحيلة، رفيع الهمة.
ويقال: شويت اللحم واشتويته، فانشوى هو. وحكى سيبويه في بناء المطاوعة اشتوى أيضاً. ومثله نظمت الشيء وانتظمته فانتظم هو. وقوله فلما أتونا يقول: فلما حصلوا عندنا تباثثنا وتباكينا، وكل واحد من الحيين شكا إلى الآخر دهره وأنهى إليه في إضافته أمره.
وقوله بكى معوز، هذا بيان وجه العلة في البكاء. يقول: بكى فقير مخافة أن يتهم ولا يصدق ظاهر حاله فيما ينطق به من ضره، وأن تلحق به اللائمة إذا ذكر واجبات ضيفه؛ والضيف الطارق بكى لما مسه من نائبات دهره، ولما يظهر من مساس حاجته، ويقيم به العذر في إلمامه، حتى شد حشاه لخلاء جوفه.
فألطفت عيني هل أرى من سمينة ... ووطنت نفسي للغرامة والقرى
فأبصرتها كوماء ذات عريكة ... هجاناً من اللائي تمتنعن بالصوى
وقلت له ألصق بأيبس ساقها ... فإن يجبر العرقوب لا يرقأ النسا
وقوله ألطفت عيني أي نظرت بعيني نظراً لطيفاً، هل أرى في إبل المستضعفين ورواحلهم ناقة سمينة أنحرها لهم، وإذا ردت إبلى إلى باءتها أعوض صاحبها خيراً منها، وأغرم من بعد ذلك له ما ارضيه به. ويقال: ألطفت أخي بكذا، إذا أتحفته بما يعرف به برك ولطفك. وألطفت الأم بالولد، وأم لطيفة، أي أكرمته وبرته.
وقوله أبصرتها كوماء، الكوماء؛ الطويلة السنام الغليظة، وقيل: الكوم: العظم من كل شيء: والعريكة: السنام إذا عركه الجمل. وناقة عروك: لم يكن في سنامها إلا اليسير من الشحم. والهجان: الكريمة. ويقال: ناقة هجان ونوق هجان. وقد مر القول في وقوعه للواحد والجمع على صورة. وقوله تمتعن بالصوى فالصوى: الأعلام والحجارة. أي رعت الحزن والتسهل. ومعنى تمتعن، أي أفمن بها