وقوله فأعرضت عن سلمى، يقول: تركت صاحبتي التي كنت أولع بها؛ وأستلذ ذكرها، زاهداً فيها، وقلت لقربتي وأليفي: بخلها وجودها يستويان علي مع إعراضي وضعف حاجتي، وكلال حدي، وعجز قدرتي، وتسلط رثيات الشيب علي، وتمكن أبدال اللهو مني. وقوله سواء علينا سواء مصدر في الأصل، وقد وصف به.
فلا تحسدن عبساً على ما أصابها ... وذم حياة قد تولى زهيدها
كان الوليد وسليمان ابنا عبد الملك أمهما عبسية، فارتفع شأن بني عيسى بها، واختلطوا بمدبري الخلافة وسواس الرعية، والذابين عن المملكة. فيقول مخاطباً لصاحب له: لا تحسدن بني عبس على ما نلته من الملك والرياسة، وذم زماناً ساعدها على ذلك وأهلها له، وحياة تولي زهيدها في الشقاء بها، ومكابدة الأوابد منهم فيها. والزهيد: القليل الخير، ويقال: رجل زهيد وامرأة زهيدة، وهما القليل الطعم، يريد أن أمرهم خلسة من خلس الدهر، وسينقطع منكره ويعود إلى دون ما يجب له. وقوله تشبه عبس هاشماً، يقال: شبهته كذا وبكذا، وتشبه زيد بكذا وكذا. يقول: تنعموا بلذات الدنيا وزخارفها، وشاركوا أرباب الخلافة وولاتها في ملابسهم التي تنكرها جلودهم، ومطامعهم التي لم تذقها لهواتهم، فحدثوا أنفسهم بأنهم أمثالهم، ووسوس الشيطان إليهم مماثلة حالهم لأحوالهم عند الحفل، وفي الخلوات. وقوله أن تسربلت يريد: لأن تسربلت. كأنهم لمساعدة الأحوال لهم فعلوا ما فعلوا. وإنما قال أنكرتها جلودها لأنها لم تعتمدها من قبل. ومثله قول الآخر:
بكى الخز من عوف وأنكر جلده ... وضجت ضجيجاً من جذام المطارف
فلا تحسبن الخير ضربة لازب ... لعبس إذا مافات عنها وليدها
فسادة عبس في الحديث نساؤها ... وقادة عبس في القديم عبيدها