للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حالي وقصتي، ومقتضى الوقت وموجب حكمه لا يدعوان إلى غيره. ثم أقبل يخاطب أحمد بعد الإخبار عنه فقال: إن العجب ما أطلعك عليه وأباثك فيه، وأكشف لك مستوره وخافيته، من كل رجل بطيء الفهم، ميت الخاطر، مدعو عليه بالهبل لثقله وعجزه غبي، إن حدث أدار لسانه في فيه يمضخ كلامه، وإن أئتمن خان، وكان ذا لونين لنفاقه، وكأن قلبه قد رين عليه لما يضمره من غل، فعليه لكل أحد ضبابة، فلا تصفو نيته، ولا تخلص طويته، متصرف في غلواء الحمق وارتفاعه وانتهائه، قليل المروءة، وزمر الحمية، يركب رأسه فيما يعن، ويغفل عن القصد فيما فيه يجد، ويمضي قدماً في الشر فلا يرتدع، ويعلو على زاجره فلا يرجع، ولا يقف وإن كبح بلجام المنع، ولا يرعوى وإن أوذن بالهلك؛ ثم إن حضرت به مجالس الفضل والعقل، سالت سحابة جهله بحمق تلتطم أمواجه، وتتدافع بصوبه أركانه؛ وعلى ما به من النذالة والجهالة رزق جداً فحظي، وغلب على أهل زمانه بما قسم له فعلى، وذل له الدهر فكبا لصدره ووجهه ضارعاً، وانقاد لأمره ونهيه صاغراص، حتى أدرك ما شاء ممتداً ي شأوه، مشترفاً في شأنه، آخذاً قصب السبق في ميدانه، فإن تعجبت فالعجيب هذا، وإن استنكرت فالنكير هذا. ويروى:

غلب الزمان بجده وسما به ... فكبا الزمان.................

فيجعل الفعل للزمان ويكون معنى سما به رفعه. ثم أخذ يدعو على الزمان فقال: سقط لوجهه وكلكله، حين اختار مثله لإحسانه، وهذا حسن جداً. والوغد: الدني، من قولك: وغدت القوم إذا خدمتهم. والنهي: العقول، والواحدة نهية. والنوك: الحمق. والمسحلان: جلقتا شكيم اللجام، والجميع المساحل. ومعنى على الزمان، على تصاريف الزمان؛ فحذف المضاف. وقوله: أبثك أمره أي أجعل أمره مما تبث وتحزن له. والمثلوج الفؤاد: البليد الخالي من الذكاء والحدة. واللؤك: المضخ.

ولقد سموت بهمتي وسما بها ... طلبي المكارم بالفعال الأفضل

لأنال مكرمة الحياة وربما ... عثر الزمان بذي الدهاء الحول

فلئن غلبت لتمضين ضريبتي ... كلب الزمان بعفة وتجمل

<<  <   >  >>