يقول: لما بان لي أمر الضيف الطارق قمت من مكاني مستعجلاً غير متلوم، حرصاً على إصلاح أمره، وتوطيد محله. ويقال: جثم مكانه وفي مكانه بمعنى. والجثوم، أصله إلصاق الصدر بالأرض ولزومها، ويستعمل كثيراً في الطير والسباع. والجثمان: الشخص منه اشتق. ومعنى لم تقم مع النفس علات البخيل يريد أن نفسي لما تهيأت للإضافة وتشمرت لم تقم معها العلات التي تفضح أربابها، والمعاذير التي تحسن التفريط في اللوازم عند مستعدها. وجعل العلات تفضح لما يتعقبها من ذميم القالة، وتضييق المعذرة، وتجاوب الناس في الإنكار إذا كانت العلل كاذبة، ووجوه التنصل مسودة. وقوله وناديت شبلاً يعني بشبل ابنه، يستعين به يقام من خدمة الضيف، فذكر أنه استجاب وتخفف منه. وذكر استجاب ها هنا أحسن من أجاب، وذاك أن قول القائل: دعوت زيداً فأجابني، كقوله: أمرته فأطاعني. وقوله: دعوته فاستجاب لي، أي تقبل ما قلته وطاوعني فيه. وعلى هذا يفسر أصحاب المعاني قوله تعالى:" فلسيتجيبوا لي وليؤمنوا بي ". وكذلك بيت كعب بن سعد:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يذعن لدعائه أحد. ويقال: استجبته واستجبت له. وقوله وربما ضمنا قرى عشر أي التزمنا قرى عشر نسمة، ولا معرفة بيني وبينهم سابقة، ولا ما يوجب عند الالتقاء مصافحة. والقصد بقوله ضمنا إلى توطينهم النفس على توسيع القرى لمن لا حرمة له سوى حرمة الضيافة. ولا يمتنع أن يريد بقوله قرى عشر قرى عشر ليال، وهم إن أرادوها بأيامها يغلبون التأنيث. قال سيبويه: وتقول: سار خمس عشرة من بين يوم وليلة، لأنك ألقيت على الليالي، أنه قد علم أن الأيام داخلة مع الليالي. وعندهم أن لليل قبل النهار، فلهذا يؤرخون بها. وتقول: أعطاه خمسة عشر من بين عبد وجارية، لا غير،