للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله أيسفر وجهي ي موضع المفعول الثاني لسلي، وقد اكتفى به لأن في الكلام إضمار أم لا. وساغ حذفه لما يدل عليه من قرائن اللفظ والحال. وقال سيبويه: لو قلت علمت أزيد في الدار لاكتفى به من دون إضمار. ولو قلت: سواء علي، أو ما أبالي، لم يكن بد من ذكر أم لا بعدهما. ومعنى قوله أنه أول القرى، يريد أن إظهار البشاشة للضيف وتطلق الوجه معه، وإظهار السرور بقصده ومثواه من أوائل قراه. ثم الترجيب به وإيناسه من بعد حتى كان ينتظر كما ينتظر الغائب الآيب، ثم المبالغة في الإنزال وحط الأثقال، وإظهار سعة الرحل والمكان إلى غير ذلك - مما يبسط منه، ويزيل الحشمة والانقباض عنه؛ لذلك قال:

وأبذل معروفي له دون منكري

لأن قوله معروفي دخل تحته كل محمود من الأفعال والرسوم، كما أن قوله دون منكري اشتمل على نفي كل مذموم من الخصال والأمور. وقيل: إن المنكر هو أن يسأل عن حاله ونسبه، وقصده في صفره، وكيفية مأتاه حين نزل به؛ لأن جميع ذلك مما يجلب عليه حياء، ويوسعه نفوراً وإمساكاً. والضمير من قوله أنه أول القرى لما يدل عليه قوله أيسفر وجهي؛ لأن الفعل يدل على مصدره. والمراد أن الإسفار أول القرى، وعلى هذا قولهم: من كذب كان شراً له، وما أشبهه.

آخر:

وإنا لمشاؤون بين رحالنا ... إلى الضيف منا لاحف ومنيم

قذو الحلم منا جاهل دون ضيفه ... وذو الجهل منا عن أذاه حليم

قوله إنا لمشاؤون إبانة عن حسن خدمتهم للضيف، وعن قرب محطه من رحالهم ومقارهم. وقوله منا لاحف ومنيم يريد: ومنامنيم، فحذف لأن المراد مفهوم. وفي القرآن: " منها قائم وحصيد ". واللاحف والمنيم إنما ينهضان بعد تقضي الإطعام والإيناس. ألا ترى قول الآخر:

أحدثه إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع

<<  <   >  >>