للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن بني لأم بن عمرو وأرومة ... سمت فوق صعب لاتنال مراقبه

أضاءت لهم حسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

يقول: لو صمم الناس بالسؤال عنهم فقيل أيهم خير أصلاً وسلفاً وأيهم أصبر يوماً ومشهداً ترى كواكبه ظهراً، لكان يجيء في جواب هذا السؤال: بنو لأم بن عمرو؛ ولأن لهم منصباً علا شرفاً باذخاً، وعزا شامخاً لا تدرك مراقبه، ولا تنال مطالعه. والغرض من الجملة تفضيلهم على جميع الخلق. والأرومة: الأصل الثابت الراسي. وانتصب قبيلة على التمييز، وكذلك يوما. ويعني بذكر اليوم الوقعات والحروب. وعلى ذلك قولهم: يوم جبلة، ويوم الكلاب وما أشبههما. وقوله لا تواري كواكبه إن شئت فتحت فرويت: لا تواري كواكبه، والمعنى لا تتوارى كواكبه، فحذف إحدى التاءين تخفيفاً. ومعنى لا تواري بضم التاء لا تستر، والأصل في هذا، وهو يجري مجرى الأمثال، يوم حليمة، وذلك أنه سدت عين الشمس في ذلك الغبار الثائر في الجو فرئيت الكواكب ظهراً، فقيل: ما يوم حليمة بسر، وصار الأمر إلى أن قيل في التوعد: لارينك الكواكب ظهرا. وأصل الصبر حبس النفس على الشر، لذلك قيل: قتل فلان صبراً. وقوله سمت فوق صعب، يريد: فوق جبل صعب يشق الارتقاء إليه. والمراقب هي المحارس، واحدتها مرقبة، وكل ذلك أمثال. وقوله أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم، يريد طهارة أنفسهم، وزكاء أصولهم وفروعهم، فهم بيض الوجوه نيرو الأحساب، فدجى ليلهم تنكشف من نور أحسامهم، حتى أن ثاقبه يسهل نظم الجزع فيه لناظمه، وهذا مثل أيضاً. ولهاء من ثاقبه يعود إلى ما دل عليه قوله أضاءت لهم أحسابهم، والثقوب: الإضاءة، ويقال: نار ثاقبة، وكوكب ثاقب، وحسب ثاقب، وقد ثقب أي اشتد ضوءه وتلألؤه. وكعنى نظم حمل على النظم وأقدر، فهو بمعنى انظم. ومثله كرم وأكرم. والضمير من ثاقبه يدل على ظاهره صدر البيت، فهو مثل قولهم: من كذب كان شراً له، ومن صدق كان خيراً له، يريد كان الكذب وكان الصدق، فكذلك هذا، كأنه قال: حتى نظم ثاقب حسبهم الجزع لناظمه.

<<  <   >  >>