لمارأيت نساءنا يفحصن. وكبش الكتيبة: رئيسها. فيقول: لما رأيت الأمر على ما ذكرت أنفت وقصدت رئيس الأعداء وملاقاته ولم أجد من ذلك بداً. وإنما قال: نازلت كبشهم ليرى أنه ممن تدعوه نفسه إلى مجاهدة الرؤساء والتعرض لهم في الحرب، وأنه ممن لا يرضى عن المبارزة بالمنزل الأدنى. والرئيس متى كان واثقاً بنفسه طلب أمثاله، واستعفى من مبارزة من لا يؤبه له، وتفادى منها، إلا عند الضرورة.
هم ينذرون دمي وأن ... ذر إن لقيت بأن أشدا
يقول: هم يقولون لله علينا سفك دم عمروٍ، وأنا أقول لله على أن أحمل عليهم وأبذل نفسي لهم، ثقةً بكفايتي واستهانةً بنذرهم. ويقال في الحملة: شددنا عليهم شدةً صادقةً، وشدة غير كاذبةٍ، إذا أرادوا المبالغة.
كم من أخٍ لي صالحٍ ... بوأته بيدي لحدا
بوأته مبوأ صدقٍ: أنزلته. والمباءة: المنزل. وإنما فرغ من التبجح بالشجاعة ثم ذكر صبره على البلاء، وتوطين نفسه على اللأواء، فيقول: كم من أخ موثوقٍ به فجعت بموته، وأحوجت إلى تولي دفنه، ومباشرة تجهيزه. وهذا إذا ابتلي به المرء كان أعظم لجزعه، وأنكى في قلبه.
ما إن جزعت ولا هلع ... ت ولا يرد بكاي زندا
الهلع: أفحش الجزع، لأنه جزعٌ مع قلة صبر. وقد فسره التنزيل في قوله تعالى:" إن الإنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين ". لأن المعنى أن الإنسان لا يصبر على ضيرٍ، ولا على خيرٍ، فكأنه قال: ما حزنت عليه حزناً هيناً قريباً، ولا فظيعاً شديداً. وهذا نفيٌ للحزن رأسا، فهو كقولك: ما رأيت صغيرهم ولا كبيرهم. وقد أعطى الترتيب حقه لأنه ارتقى فيه من الأدون إلى الأعلى، إذ كان قوله ما إن جزعت وإن كان مستصلحاً لجميع أنواعه مفيداً للأدوان، وقد جاء بعده ولا هلعت، وقوله: ولا يرد بكاي زنداً، وكان بعض الناس يرويه: ولا بكاي زيدا، وزعم أنه أخٌ له. ورأيت من زعم أنه فتش عن نسب عمروٍ فلم يجد له نسيباً ولا شقيقاً يسمى زيدا. على أن قوله كم من أخٍ لي صالحٍ لا يلائمه - فيما يقتضيه سياق اللفظ ونظام المعنى، ومع إفادته الكثرة - أن يقابل بو لا يرد بكاي أخي زيداً مع تخصصه. فأما من