أشار بهذا الكلام إلى أن الطعنة لم تكن على دهشٍ واختلاس، ولكن عن تمكنٍ واقتدار. ويروى: يرى قائماً من دونها من وراءها وما وراءها ومن روىمن وراءها فالمعنى يرى من وراءها إذا كان قائماً من دونها. ووراء ههنا بمعنى خلف. وإن كان يقع على الخلف والقدام جميعاً. ومن دونها، أي من قدامها. وبيت الأعشى على هذا، وهو قوله:
تريك القذى من دونها وهي دونه
أي تريك الخمرة في الزجاجة القذى من قدامها، وهي قدام القذى؛ أي تريك الزجاجة ما خلفها من قدامها لصفاء الخمرة فيها. ومعنى أنهرته: وسعته حتى جعلته كالنهر سعةً. والنهر نفسه سمي بذلك لاتساعه. ومنه المنهرة، وهي فضاءٌ بين بيوت الحي يلقون فيه كناستهم. وفي هذا الوصف سرفٌ مستنكر وخروجٌ عن القصد مستهجن. ويجري مجراه في الغلو قول مهلهل:
فلولا الريح أسمع أهل حجرٍ ... صليل البيض يقرع بالذكور
واستعمل عنترة لفظ الإنهار مع اقتصادٍ فقال:
أنهرت لبته بأحمر قانئٍ ... ورشاش نافذةٍ على الأثواب
يهون علي أن ترد جراحها ... عيون لأواسي إذ حمدت بلاءها
الأواسي: النساء المداويات للجراح، والفعل منه أسوت. ويقال للرجال الآسون والأساة. وإنما ذكر النساء لأنهم يأنفون من الصناعات، ويعلمونها العبيد والإماء وحرائر النساء أحياناً، إذ لم يكن في غايةٍ بعيدةٍ من الشرف. وقوله أن ترد موضعه رفعٌ على أنه فاعل يهون. وإذ حمدت ظرفٌ ليهون وهي حكاية حالٍ ماضية. والمعنى: يخف علي رد جراح هذه الطعنة عيون النساء المداويات لها، إذ حمدت أثري فيها. وبلاءها، يجوز أن يكون المراد بلائي فيها، ويجوز أن يريد ببلائها شدتها فظاعتها. والمصادر تضاف إلى الفاعلين والمفعولين جميعاً.