وقوله " لعمري لنعم الحي "، المحمود بنعم محذوف، كأنه قال: إذا استغاث بهم الصريخ وهو المستغيث فاستصرخهم أجابوه ونصره، فنعم الحي وقد دعوا، إذا الجار مأكولٌ ومطموع فيه، وإذا اشتد الزمان ففني الزاد وعز الطعام. وقوله " الجار " مبتدأ وأرهقه الأكل في موضع الخبر. واكتفى بالإخبار عنه وإن كان عطف المأكول عليه، كأنه قال: إذا الجار أرهقه الأكل والمأكول كذلك.
ويشبهه قول الآخر في الإخبار عن المعطوف عليه دون المعطوف:
فإني وقياراً بها لغريب
وقد مر مثله.
ومعنى أرهقه الأكل ضيق عليه وغشيه. وقد قيل: أكلت فلاناً، إذا غلبته وقهرته. وكني عن المستضعف باللحم والشحم فقيل: ترك فلانٌ لحماً على وضمٍ، وفلان شحمةٌ للمتبلغ. قال الشاعر:
فلا تحسبني يا ابن أزنم شحمةً ... تزردها طاهي شواء ملهوج
سعاةٌ على أفناء بكر بن وائلٍ ... وتبل أقاصي قومهم لهم تبل
إذا طلبوا ذحلاً فلا الذحل فائتٌ ... وإن ظلموا أكفاءهم بطل الذحل
مواعيدهم فعلٌ إذا ما تكلموا ... بتلك التي إن سميت وجب الفعل
بحورٌ تلاقيها بحورٌ غزيرةٌ ... إذا زخرت قيسٌ وإخوتها ذهل
قوله: سعاة على أفناء كر " السعي يستعمل على وجوه، وكذلك السعاية. ويقال للمصدق الساعي، والمصدر السعاية. وهو يسعى على قومه، إذا قام بأمورهم. والمسعاة في الكرم والجود. والشاعر يرد أنهم يذبون عنها ويسعون في مصالحهم وحفظ ذممهم. وقوله " وتبل أقاصي قومهم " تبل يؤكد مات قبله. والمعنى ذحل الأباعد من قومهم كذحل المختص بهم، لأنهم يتشمرون في الانتقام والانتصار فيهما على حدٍ واحد.