وقوله " إذا طلبوا ذحلاً فليس بفائت "، يقال: طلبت عند فلانٍ ذحلاً، إذا رمت مكافأته على عداوةٍ منه أو جناية. وأراد أنهم إن وتروا لا يفوتهم إدراك الوتر، وإن وتروا غيرهم من أكفائهم وظلموهم لم ينتصف منهم، ولم يدرك الثأر من جهتهم.
وقوله " مواعيدهم فعل "، أراد أنهم ينجزون الوعد ويصدقون الأقوال بالفعل، وأن هذا دأبهم في الخصال التي إذا سميت موعوداً بها وذكرت، قال الناس يجب مع القول فعلها، استبعاداً للوفاء.
وقوله " بحور تلاقيها بحور غزيرة "، يريد أنهم في أنفسهم كالبحور كثرة وسماحاً، واتساعاً وعزة، فإذا لاقتها بحور قيسٍ وذهلٍ زاخرةً فقد كمل الأمر وتناهى العز، واطرد الماء، وطما التيار حتى لا يطاق.
وقال آخر:
عادوا مروءتنا وضلل سعيهم ... ولكل بيت مروءةٍ أعداء
لسنا إذا ذكر الفعال كمعشرٍ ... أزرى بفعل أبيهم الأبناء
يشبهه قول الآخر:
لا يملكون عداوةً من حاسدٍ ... وحذاء كل مروءةٍ حسادها
وقول الآخر:
إن العرانين تلقاها محسدةً ... ولا ترى للئام الناس حسادا
وقوله " وضلل سعيهم " أي نسب إلى الضلال لما لم يلحقوا شأوهم.
وقوله " لسنا إذا ذكر الفعال كمعشرٍ " يريد: لا نعتمد على مناسبنا، وعلى ما قدمه أسلافنا من المفاخر والمساعي، لكنا نعمر ما شيدوه، ونستحدث بأفعالنا ما يقويه ويكثره، ولا يصير مزرياً به.