للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله " أرقت "، يريد سهرت، ولا يكون الأرق إلا بالليل. فيقول: فارقني النوم وطال ليلي من أجل سحابٍ فيه برقٌ يومض، أسرى ليلاً وقد قطع أرضاً إلى أرض. والومض: مصدرٌ كالوميض، وهو لمعان البرق. وقد وصف به. ويقال: ومض وأومض. وانتصب " حبياً " على الحال، وهو المشرف. والعامل فيه إن شئت البارق، وإن شئت الومض. و " مجتاب أرضٍ "، أي قاطعها، وانتصابه على الحال، والعامل سرى.

وقوله " نشاوى من الإدلاج " رده على قطع السحاب. ألا ترى أنه قال في البيت الأول " للبارق الومض "، ثم قال " نشاوى من الإدلاج ". وهو جمع نشوان. يريد أن أقطاعه لسراه صارت كالسكارى تميل من جانبٍ إلى جانب، وتنعطف من أرضٍ إلى أرض. كأنه جعل حال الساري من السحاب كحال الساري من الإنسان. وقوله " كدري مزنه " مبتدأ، و " يقضي بجدب الأرض " في موضع الخبر، و " ما لم يكد " مفعول يقضي. وجعل في لونه كدرةً لكثرة مائه وارتوائه. والمعنى أن الكدري منه يحكم للمجدب من الأرض، ويقسم من المطر له ما لم يكد يقضي به لنفسه، ولم يقرب من قسمه له كأنه يصب لجدب الأرضأكثر مما يتحكم به لو حكم، ويختاره لو خير. ولك أن تروى " ما لم تكد تقضى " بالتاء؛ ترده على الأرض. وقال بعضهم: هذا كما يقال: أعطاني الأمير ما لم يكد يعطيه لأحد، وسمح لى بما لم يكد يسمح به لأحد. والأول أحسن وأغرب. وقال بعضهم: أخبر أن هذا السحاب إذا أتى على أرض مجدبة لم يفارقها مطرها حتى يهريقبها من الماء ما يكون فيه عهد ووليفي دفعة واحدة، وفراغه من هذا لا يكون سريعا هينا. كأن حاجة السحاب في الأرض المجدبة إحياؤها وإخصابها من مطرة واحدة، فلما فعل قضى وطره، ولم يكد يقضيه إلا بعد بطء.

وقوله " تحن بأجواز الفلا قطراته " أى نواحيه. والقطر: الجنب. ويقال: قطره، إذا ألقاه على قطره. ويقال في معناه قترا أيضا بالتاء. يريد أن جوانبه تتجاوب بالرعد، فكأنها تحن إلى مواضع لها قد ألفتها، فهى تشتاقها وتتشوف. ثم شبه حنينها بحنين الإبل وقد فرقت بعد اجتماع، فتحانت وتهادرت.

ويقرب من هذا قول الهذلى:

يجش رعدا كهدر الفحل يتبعه ... أدم تعطف حول الفحل ضحضاح

<<  <   >  >>