كأن الشماريخ الأولى من صبيره ... شماريخ من لبنان بالطول والعرض
تبارى الرياح الحضرميات مزنه ... بمنهمر الأوراق ذى قزع رفض
أعالى السحاب بأعالى هذا الجبل وأنوفه التى تتقدم منه، وقال " الأولى " تخصيصا لما كان من صبيره خاصة، وقال " بالطول والعرض " ليبين وجه التشبيه.
وقوله " تبارى " أى تحاكى وتسامى الرياح الشامية سحبه بمطر سامى الأعالى. ويقال للسحابة إذا ألحت بالمطر فى موضع: ألقت عليه أرواقها.
ويقال للرجل إذا ألقى همه على الشئ ونفسه: ألقى عليه أرواقه. لذلك قال تأبط شرا:
ألقيت ليلة خبت الرهط أرواقى
والقزع: قطع من السحاب متفرقه، والواحدة قزعة. وقال الخليل: القزع قطع من السحاب رقيقة كالظل. وعلى ما قاله يكون الإشارة من الشاعر إلى السحاب إلى وصفه وقد هراق ماءه فرق. قال الخليل: ولذلك قيل: شعر مقزع، أى خفيف. والرفض: المرفض المتفرق، وكأن الأصل فيه الرفض، محرك الفاء، والجميع الأرفاض، فسكن. ويجوز أن يكون وصف بالمصدر، لأنه يقال رفضت الشىء رفضا، والمرفوض رفض. والمعنى أن مزنه وهو السحاب، تحاكى الرياح الهابة من ناحية الشأم - يشير إلى الشمال - بمطر ذا صفته من سحاب كذلك.
يغادر محض الماء ذو هو محضه ... على إثره إن كان للماء من محض
يروى العروق الهامدات من البلى ... من العرفج النجدى ذوباد والحمض
أصل المحض اللبن الحامض بلا رغوة، ثم استعمل في الحسب وغيره، يقول: يترك خالص الماء الذى هو خالصة السحاب وصافيته، ويخلفه في مسايل الأودية على إثره. وإنما يشير إلى ما تقطع ورق من ماء المطر بنضد الأحجار، وأصول الأشجار، حتى صفا من شوائب الكدورة، وقر في المناقع وقرارات الأودية.