يقال سرحت الماشية، إذا أخرجتها بالغداة إلى المرعى؛ وأرحتها، إذا رددتها بالعشي. فإن قال قائل: لم قال: ولم يرح سواماً والنكرة إذا أعيد ذكرها يجب تعريفها، بدلالة أنك تقول رأيت رجلاً بمكان كذا، فقال لي الرجل كذا؟ قلت: يجوز أن يكون نكرهما لأنه تصور المراح بما دخله من التناقص والتزايد، بالأخذ منه والرد إليه غير المسروح، وإذا كان كذلك فالثاني غير الأول. ويجوز أن يكون السوام الثاني غير الأول، وذاك أن المكثرين منهم كانوا يأمروان رعاءهم بأن يقتضبوا قطعةً من المال كيف اتفقت، ليحبسوها على الحقوق العارضة، سوى المؤن اللازمة، فكانت الغادية لما يقيمونها من النوب في ذلك غير الرائحة، والرائحة غير الغادية. وإذا كان كذلك فالسؤال ساقط. والمعنى: إذا الرجل لم يكن ذا مالٍ يسرح بعضه ويراح عليه بعضه، على حسب ما يتفق، ولم يكن له أقارب يتعطفون عليه ويرون من الفروض الواجبة الإحسان إليه، فالموت خيرٌ له. وجواب إذا في البيت الثاني. ويجوز أن يكون المراد بقوله ولم تعطف عليه أقاربه تعطف النصرة والإعزاز، فيكون المعنى إذا لم يكن غنياً ولم يكن مؤيداً بذويه فيعتز بهم، فالموت أصلح له من الحياة. وهذا المعنى أحسن.
فللموت خيرٌ للفتى من قعوده ... عديماً ومن مولىً تدب عقاربه
فللموت جواب إذا، لتضمنه معنى الجزاء. يقول: إذا الرجل لم يكن على ما وصفت فورود الموت عليه خير له من قعوده راضياً بفقره، وبإفضال مولى يؤذيه بالمن، ولا يخلص النعمة عنده من الشوائب. ودبيب العقارب كنايةٌ عن فعل الأذى والتحمد بالكلمات المكدرة. وانتصب عديماً على الحال. ويجوز أن يكون المعنى في قوله ومن مولىً تدب عقاربه أن يحصل الفساد بين العشيرة، والتدابر والاختلاف، فكلٌ يقصد صاحبه بالمساءة، ويبغي له الغوائل. وهذا المعنى يتلفق مع المعنى الثاني في البيت الذي قبله.
ونائية الأرجاء طامسة الصوى ... خدت بأبي النشناش فيها ركائبه