انجرت نائية بإضمار رب، والواو داخلةٌ للعطف، ولم يصر بدلاً من رب بدلالة وقوع الفاء العاطفة موقعه وبل في نحو:
فمثلك حبلى قد طرقت
وبل بلدٍ ذي عقدٍ وإحباب
يقول: ورب مفازةٍ بعيدة الأطراف، دارسة الأعلام، سارت بأبي النشناش فيها رواحله يطلب المال، ويكتسب المجد. وهذا الكلام تبجحٌ منه بأنه لم يتخذ الفقر ضجيعا، ولا الدعة حليفاً، بل رمى بنفسه نحو المرامي المتلفة، وطوحها في الموامي المعطبة. والأرجاء واحدها رجاً. والطامس: الدارس. ويقال طمس وطسم. والصوى: الأعلام، والواحدة صوةٌ، ومثله قوةٌ وقوى. ومعنى خذت: أسرعت، ومصدره الخديان. والركائب: جمع الركوبة، وهي المركوبة، ولا يتبع المثوف، بل يستعمل على انفرادها، ومثلها الحلوبة.
وسائلةٍ بالغيب عني وسائلٍ ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه
يقول: رب رجلٍ وامرأة سألا عني بظهر الغيب، لما تداخل القلوب من هيبتي، والإشفاق من وقعتي. ثم قال مستفهماً على طريق الإنكار: ومن يسأل الصعلوك، أي يجب ألا يسأل الصعاليك عن مذاهبهم وطرقهم، لأنها لا تعلم، إذ لم يكن يستقر بهم موضعٌ، ولم يكن يحوبهم بلدٌ ومذهبٌ يلزمونه أو يختصون به. وكان وجه الكلام أن يقول: ومن يسأل عن الصعلوك ليكون وفق قوله وسائلةٍ بالغيب عني، لكنه عدل عنه إلى ما قاله تأكيداً للمراد، وذلك أنه إذا كان سؤال نفسه عن مذهبه منكراً لاستبهامه عليه، فسؤال غيره عنه أبعد من الصواب.
فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالبه