للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخاطب واحداً من الركبان غير معينٍ، ويكلفه إن عرض لبني فقعسٍ أن يبلغهم عنه قول رجلٍ ناخل الصدر ناصح الجيب، صادق الود. وإنما نكر المدعو لأمرين: أحدهما شدة اهتمامه بالرسالة وتحميلها رسولاً كائناً من كان. والثاني أنه أراد أن يضع رسالةً ظاهرها أنها أودعت متحملاً، علماً بأن الرسالة بنفسها إذا ضمنت الشعر وعقدت به ستبلغ على أفواه الرواة. وقوله " ناخل الصدر " يريد مصفى ما في الصدر، فحذف المضاف. أو يريد ناخل الصدر لما يعيه فجعل الفعل للصدر توسعاً، والمعنى أنه موافق الظاهر للباطن. ويقال: نخلت الود والنصح لفلانٍ، إذا أخلصتهما.

فو الله ما فارقتكم عن كشاحةٍ ... ولا طيب نفسٍ عنكم آخر الدهر

يقول: أحلف أني لم أوثر فراقكم لعداوةٍ لازمةٍ لكشحي، وبغضاء متمكنةٍ من طويتي، ولا لسلو نفسٍ عنكم وسخاء قلب بكم آخر الدهر. وهذا الكلام إظهار ميلٍ إلى إصلاح ذات البين لو تساعدت الأحوال، ومعذرةٌ أقامها فيما قصده من مراغمتهم، وآثره في مهاجرتهم ومفارقتهم، وإبانةٌ عن الأمر في أن الباعث على ما اتفق لم يكن من سوء خلةٍ، وانطواء على حسدٍ وقطيعةٍ. وإنما قرن السلو بقوله آخر الدهر ليري أن ذلك التقدير ليس بحاصلٍ ولا واقعٍ أبداً، وهذا كما يقال لا أفعل كذا ما دامت السموات والأرض.

ولكنني كنت امرأً من قبيلةٍ ... بغت وأتتني بالمظالم والفخر

هذا كشف العذرة وذكر السبب الموجب للمجانبة والفرقة، فيقول: ولكنني كنت رجلاً من قبيلةٍ خرجت عن طريق التواصل إلى طريق التقاطع بما استعملته من البغي والشقاق، وتعاطته معي من الظلم والعناد، حتى تداعت مباني التواشج والتحاب، وانفصمت عرى العلائق بيننا والتواد، وعيل الصبر، بما لحق من الهضم، وحرج الصدر، لما تلاحق حالاً بعد حالٍ من الاستخفاف والذل.

فإني لشر الناس إن لم أبتهم ... على حالةٍ حدباء نابية الظهر

انتقل عن الخطاب إلى الإخبار حين توعدهم، وإن كان الكل من جملة الرسالة. ويروى: " لشر الناس " بكسر اللام، والمعنى أنا ابن شر الناس، كما

<<  <   >  >>